كوفيد 19.. ثورة ملك وشعب ثانية
بوسلهام عميمر
التاريخ يعيد نفسه، فإذا كان المغاربة زمن المحنة مع المستعمر لما فتك بالمغاربة قتلا
وسجنا وتشريدا ونفيا، وامتدت يده الآثمة إلى رمز البلاد محمد الخامس تغمده الله برحمته
بما أنه كان السند الأساس للمقاومة و رفض المساومة على استقلال وطنه، هب المغاربة
بكل أطيافهم لمواجهته والتضحية من أجل عودة ملكهم و حرية بلدهم .
فالمغاربة كما سابقا هبوا جميعا لمواجهة الاستعمار، مسترخصين كل غال ونفيس، حفاظا
على وحدتهم، وعلى تماسكهم وعلى سلامتهم الاجتماعية من التفكك والانهيار، باعتبار
السلطان رمز وحدتهم وملاذهم في الشدة والرخاء. التاريخ يعيد نفسه اليوم مع هذه الجائحة
غير المرئية العابرة للقارات، تحصد الضحايا بالآلاف، حتى أعلن أكثر من رئيس دولة أنهم
ضده في حالة حرب، علما فالحرب غير تقليدية، إنها ضد عدو لا ملامح له لحد الآن لا
تزال آراء العلماء والخبراء تتضارب يشأنه، حول منشئه و طبيعته وكيفية انتشاره والوقاية
منه.
تابعنا كيف تحرك المغرب ملكا وشعبا لمواجهة هذا الوباء المدمر في بدايته، قبل أن
يستفحل أمره فيخرج عن السيطرة، كما حصل لبلدان استهانت به، فأدت الثمن باهظا من
أرواح مواطنيها لما فاق لديها عدد المصابين طاقة مستشفياتها الاستيعابية.
تباعا توالت الإجراءات بأوامر ملكية صارمة. إجراءات على الرغم من انعكاساتها السلبية
على اقتصاد البلاد، لكن سلامة الموطنين فوق أي اعتبار. فكان إغلاق المدارس والتعويض
عنه بالدراسة عن بعد رغم ما يتعري هذا البديل من إكراهات ونقائص، وكان إغلاق
الحدود و توقيف حركة المطارات في وجه كل الرحلات من وإلى المغرب، وكان الحجر
الصحي، فحالة الطوارئ و تمديدها لشهر آخر إلى غاية 20 أبريل، مع تشديد ضوابط
الالتزام بها قد تصل إلى الحبس بالشهور والغرامات المالية، لضمان سريان مفعولها على
الوجه المطلوب، للتمكن من الخروج من آثارها بأقل الخسائر.
وطبعا فحالة الطوارئ بما أنها عطلت فئات مجتمعية هامة عن عملها مصدر رزقها، أنشئ
صندوق تدبير أزمة كورونا (كوفيد 19) بأمر ملكي، وكان جلالته أول المساهمين فيه
لتتوالى بعده المساهمات تباعا، هدفه الأساس دعم المنظومة الصحية أولا بتوفير كل ما يلزم
لمواجهة هذا الوباء ابتداء من وسائل الفحص و أجهزة التنفس، إلى تجهيز الأسرة لاستقبال
المصابين و أدوات الوقاية وإقامة مستشفيات ميدانية في توافق تام بين ما هو مدني
وعسكري بمواصفات عالية الجودة على الصعيد الإفريقي. ثانيا الجانب الاجتماعي لهذا
الصندوق، بدعم كل الفئات المتضررة من حالة الطوارئ بحسب عدد أفراد الأسرة. فضرب
المغرب المثال في التكافل بين فئاته المجتمعية استنادا إلى الفصل 40 من الدستور الذي
ينص على مبدأ التضامن “على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع
الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن
الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد".
التجربة المغربية اليوم موضع إشادة من قبل مجموعة من الدول الغربية و العربية و دول
الجوار في إجراءاته الصارمة. وحتى في غمرة هذه الحرب الشرسة لم يتوان المغرب عن
استعداده للوقوف بجانب مجموعة من الدول الإفريقية لمساندتها ضد هذه الجائحة الخطيرة.
التحمت الإرادة الملكية بإرادة الشرفاء من أبناء الوطن ممن لبوا نداء التضامن بما ساهموا
به من ملايير في صندوق التضامن، وكذا الأطقم الطبية التي هي اليوم وجها لوجه مع هذا
الوباء المدمر الذي لا يعرفون عن مكره إلا القليل، ومع ذلك فهم في مواجهته ليل نهار، مع
ضرورة الإشادة بالشباب المغربي الذين أبانوا عن قدرات هائلة في تصنيع الكمامات الواقية
و أجهزة التنفس صنعا مغربيا خالصا فضلا عن آلات التعقيم بمداخل المؤسسات و مساحات
التسوق الكبيرة والإدارات، دون الحديث عن الأطر المغربية خارج الوطن في مراكز بحثية
حساسة، وفي مختبرات البحث عالي الدقة في فرنسا مثلا مع كبير الباحثين البروفيسور
الفرنسي ديدي راولت المختص في الأمراض الجرثومية و في الولايات المتحدة الأمريكية
وألمانيا وغيرها من دول العالم.
فالخطب جلل لا هزل فيه، لمن لا يزال يشكك في خطورته المدمرة فيستهتر بالإجراءات
الاحترازية الضرورية. إن الجائحة تفرض علينا أن نصنع ملحمة ثانية لنتجازها بأقل
الخسائر.
