مراقبة خصوصياتنا .. أهي مقدمة لمصادرة حرية الرأي ؟
عبد اللطيف مجدوب
إجراءات خانقة تحت ذريعة كورونا
في أوج تصاعد وتيرة أرقام كورونا داخل الولايات والأقاليم ، سارعت الحكومة إلى سن رزمة من القوانين ؛ ملحقة إياها بتدابير وإجراءات احترازية ؛ تراها تحول دون تفشي الوباء ووسيلة للحد من آثاره ؛ كالحجر الصحي (لزوم الدور والمنازل .. ) ، وحظر التجوال ، وتقنين التنقل بين المدن وداخل مقاطعاتها ، وصلت إلى مستويات (المنع من التحرك) ؛ كانت لها تداعياتها الاجتماعية الخطيرة ، كالاعتقالات التي وصلت أرقاما قياسية "50,000 شخص حتى الآن" ، ومصادرة السلع والبضائع ، وصدور أوامر بإغلاق هذه المتاجر أو تلك ، علاوة على تعقيد رخص التنقل وإثقالها بحزمة من الوثائق الثبوتية تتنقل ملفاتها بين مصالح المقاطعات والسلطات الولائية ، فضلا عن خضوع طالبي الرخص لفحص طبي ما إن كانوا مصابين بفيروس كورونا أم لا ، وهو إجراء يمكن قراءته ؛ على ضوء مجرياته ؛ محاولة مغرضة لثني المواطن عن مساعيه الإنسانية الطارئة في التحرك ، مهما كانت دقيقة وذات خطورة ، كالجانب الصحي الاستشفائي ، والمراقبة الصحية للأمراض العامة ، وزيارة مرضى أو حضور جنازة ..
تنصت المخزن يمتد إلى خصوصياتنا
لا حديث في الكواليس ؛ هذه الأيام ؛ إلا عن قانون 22.20) ) الذي تعتزم حكومة العثماني التصويت عليه وتنزيله ، وهو قانون يخول للسلطات القضائية متابعة كل المواد العابرة والمتنقلة داخل هواتف المواطنين ؛ "تسيء إلى جهة رسمية أو تحمل على التحريض بمقاطعة مواد ومنتجات استهلاكية ، أو فيها مس مباشر بالأخلاق العامة .." حسب الديباجة التي تصدرت القانون والذي يتضمن أحكاما قضائية في حق هؤلاء ، بين غرامة مالية تمتد من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم ، وعقوبة حبسية من 6 أشهر إلى 3 سنوات .
هذا القانون ؛ وبهذه الحمولة القضائية الزجرية ؛ يحمل في بعده السياسي نظرة الحكومة وموقفها تجاه وسائل التواصل الاجتماعي ، والأدوار الحيوية الطلائعية الخطيرة التي باتت تضطلع بها داخل شرائح اجتماعية واسعة ، تختلط بالأمي والعامي والمتعلم ، وبالفقير والموسر ، بالنظر إلى سرعتها المذهلة في الانتشار وصناعة الرأي أو تأليب رأي على آخر ..
بالأمس كان الرقيب يتجول بين صفحات جرائدنا واجتماعاتنا وتقاريرنا ومساعينا .. لكنه اليوم ؛ وفي زمن التكنولوجيا الرقمية ؛ أصبح يتحرك في الأثير ويندس داخل كل الخلايا الالكترونية ، ليراقب ويتحسس ويتنصت ويسجل مواقع أصحابها بدقة عالية ليسهل عليه ـ في الأخير ـ وضعهم في خانة "الاتهام بخرق القانون .. "
محاكمة وسائل التواصل
بالنظر إلى تعامل السلطات المغربية مع نصوص القانون وتطبيقها على المواطنين ، والموسوم قليلا باللاحزم واستعمال "عين ميكا" ؛ يحق لنا القول إنها تستهدف بها الخاصة وليس العامة ، فإذا وقع أحد بين يديها حاكمته بنصوص قوانين عاصرت "جد النمل" في أقدميتها ، لتثقل عليه بإنزال عقوبات قاسية ، لكنها تتعامى وتتغاضى عن مجموعة من الانتهاكات القضائية كاستخدام الهاتف أثناء السياقة ، أو عبور الراجلين ، أو التدخين داخل المرافق العمومية ... إنها تتعامل مع الخروقات بنظرة انتقائية ؛ تجرم هذا وتعفو أو تغض طرفها عن ذاك ، وأمام نفس حالة الخرق ، وكأنها تريد البعث برسالة إلى كل مستعملي "البورطابل" تحمل في طياتها تهديدا مبطنا بالقمع ومصادرة حرية الرأي .
