بلاغ وزارة التربية على ضوء الخطاب الملكي

بلاغ وزارة التربية على ضوء الخطاب الملكي

بوسلهام عميمر

هل يخفى على أحد، ما معنى أن يخصص جلالة الملك خطابه السامي من ألفه ليائه، لجائحة

 

كوفيد 19، و بالضبط بمناسبة إحياء ذكرى ثورة الملك والشعب؟

 

إنها ذكرى ليست كأية ذكرى. إنه الحدث التاريخي الهام، الذي جسد تلاحم المغاربة ملكا

 

و شعبا تلاحما أبطل مفعول كل المخططات الاستعمارية الغاشمة، و فرض عليه الخضوع

 

لإرادة الشعب بتصحيح المسار و عودة الشرعية إلى البلاد.

 

التاريخ يعيد نفسه. فإذا جسدت الملحمة التاريخية تلاحم الملك والشعب من أجل حياة الوطن

 

في ظل الشرعية، فان الخطاب الملكي اليوم يجسد حرص جلالته على سلامة المواطنين

 

من آثار جائحة كوفيد 19 التي باتت تهددهم نتيجة تساهلهم في الالتزام بالإجراءات الوقائية

 

اللازمة، مما جعل البؤر الوبائية تتناسل كالفطر بمجموعة من المدن.

 

لكن الغريب ففي خضم حرص جلالة الملك على حياة مواطنيه، وفي خضم الأرقام المهولة

 

التي تسجل يوميا، إذ لم تعد تنزل عن الألف وخمسمائة بين المصابين والمتوفين. فالمغرب

 

اليوم الثالث افريقيا، و انتقل بخمس مراتب من حيث حصة الضحايا (من 52 إلى 49

 

عالميا). ففي ظل هذا الوضعية الوبائية الرهيبة، و أمام محدودية الطاقة الاستيعابية

 

للمستشفيات، تفاجئ الحكومة بشكل انفرادي كما ورد على لسان أكثر من نائب برلماني

 

و نقابي بقرارات، لا تزال منذ صدورها تثير سيلا من التساؤلات لا غبار على مصداقيتها،

 

نورد بعضها كالآتي:

 

ü البلاغ يقر بخطورة الوضع، و يضع في حسبانه فرضية وقوع المحظور، وذلك

 

بفرضه على آباء التلاميذ وأوليائهم أن يوقعوا على وثيقة يتحملون فيها مسؤولية كل ما

 

يمكن أن يحصل لأبنائهم لا قدر الله، بما أنهم اختاروا طواعية طريقة تدريسهم حضوريا.

 

علما فكم من دولة لا تزال تتأرجح بين إلغاء الدراسة كليا خلال هذا الموسم، إلى حين وجود

 

لقاح، وبين تأجيل الدخول المدرسي لأجل محدد، وبين الاكتفاء بالتعليم عن بعد مع العمل

 

طبعا على توفير لوازمه، دون الحديث عن الدول التي فتحت أبواب مدارسها ثم عادت

 

لتغلقها إثر تفشي الوباء. فهل ضرورة نقتفي أثرهم؟ "لي يجرب المجرب عقلو مخرب"

 

ü منطق أغرب من الخيال أن تتملص الحكومة من المسؤولية، وهي التي لديها كل

 

الإمكانيات المادية و اللوجستيكية، وتحمل الآباء مسؤولية الاختيار. فعلى أي أساس سيبنون

 

حكمهم، ليختاروا بين التعليم الحضوري أو عن بعد.

 

فهل يتصور أن يختار الآباء بالبوادي والأحياء الشعبية المهمشة التعليم عن بعد، وهم

 

يعرفون جيدا ما يتطلبه من حواسيب و هواتف وربط بشبكة الانترنت. اللهم إلا إذا حسبت

 

وزارة التربية الوطنية لكل شيء حسابه، وهيأت للاختيارين معا، كل ما يلزمه من تدابير

 

سواء بسواء. المفروض أن يوضح البلاغ بصريح العبارة ويكشف عن الالتزامات ليطمئن

 

الآباء، حتى يكون اختيارهم حرا طليقا من أية ضغوطات.

 

فلما تخير الوزارة الآباء بين التعليم عن بعد أو التعليم الحضوري، فهي تعلم علم اليقين

 

من يختار هذا ومن يختار ذاك. فهل يتصور أن تغامر الأسر الواعية حتى لا أقول الثرية أو

 

المتوسطة، بالتوقيع على أعمار أبنائها، فتختار لهم التعليم الحضوري قبل أن تتأكد من كافة

 

الضمانات بتوفر كل الشروط الوقائية؟ فالمسألة مسألة حياة أو موت. إنه وباء فتاك لا يزال

 

النقاش حوله محتدما بشأن طبيعته، وطرق انتشاره و عدواه. أما لقاحه فلا يزال بعيد المنال.

 

ü الغريب ففي الوقت الذي كانت الحالة الوبائية ببلادنا فقط بالعشرات، أقفلنا أبواب

 

المدارس، واليوم لما الإصابات تحسب بالآلاف، نفتحها على مصراعيها أمام الملايين من

 

التلاميذ، و الطامة نرمي الكرة الملتهبة في حجر الآباء وأولياء الأمور، بتحميلهم مسؤولية

 

الاختيار.

 

فالناس لما ينددون بالقرار ويعبرون عن تخوفاتهم، فهل يريدون أن لا يتمدرس أبناؤهم؟

 

إنهم يعرفون جيدا "خروب بلادهوم". فمن يضمن لهم التزام أبنائهم بالضوابط الوقائية بعيدا

 

عن أعينهم في حال وجودها؟ فكم من المدارس العمومية لا تزال تفتقر لأبسط شروط

 

الصحة الضرورية، فبالأحرى الحديث عن التهوية، و التباعد بالأمتار و المعقمات وأدوات

 

النظافة، لما نستثني مدارس محسوبة على رؤوس الأصابع ببعض الحواضر المعروفة؟

 

ü منطق غريب يخص الامتحانات الجهوية تؤجل لأجل غير مسمى، علما فعددهم لا

 

يتجاوز 37 ألف مرشحا ومرشحة، فكيف لم تقدر الوزارة على ضمان سلامتهم واجتياز

 

امتحاناتهم بدل المأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه. فهم كالمعلقة لا هم في العير ولا هم في

 

النفير.

 

والغريب، في نفس الوقت تسمح للملايين بولوج المدارس، وقبل هؤلاء مرشحي الباكالوريا

 

الذين كانوا بمئات الآلاف (441 ألف و65 مترشحة و مترشحا).

 

 

قرارات مصيرية مثل هذه، أعتقد أنه لا بد من إشراك كل المعنيين في صياغة بنودها.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة