الإطاحة بالحكومة: النكتة الحامضة !
اسماعيل الحلوتي
في زمن عز فيه الفرح والضحك، تأبى بعض النخب السياسية ببلادنا إلا أن تطل علينا في أحايين كثيرة بمواقف ساخرة ومثيرة من أبراجها العالية كلما شعرت أن هناك خطرا يتهدد مصالحها أو تسرب الملل إلى أوصالها، تجعلنا نكاد نهوى أرضا على ظهورنا من فرط الضحك والاستغراب. ولعل من بين النكت الأكثر "حموضة" في ظل هذه الظروف العصيبة التي نمر منها بسبب تفشي جائحة "كوفيد -19" وما خلفته من آثار سلبية وقاسية على الحياة العامة، اعتزام أحزاب "المعارضة" الإطاحة بحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني. ترى عن أي حكومة يتحدث "القوم"، إذا كنا لا نسمع لها حسا ولا خبرا منذ ولادتها العسيرة، رغم ما تم حقنها به من "منشطات"؟
فمن المضحك المبكي أن تطالعنا بعض وسائل الإعلام عن نية المعارضة البرلمانية في تحريك مسطرة ملتمس المراقبة للإطاحة بحكومة أضحت على مشارف الموت إن لم تكن ولدت ميتة. وهي تهديدات واهية يصدق عليها القول: "جعجعة بدون طحين"، إذ طالما تم توجيهها حتى للحكومة السابقة لمجرد الابتزاز الأرعن. حيث أننا تعودنا على أن النقاش داخل البرلمان لا يعرف احتداما وسخونة إلا إذا كان الموضوع يخدم مصالح البرلمانيين أنفسهم وتحصين مكتسباتهم أو في إطار المزايدات السياسوية عند اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، في حين تظل أهم قضايا وانشغالات المواطنين خارج اهتماماتهم. ثم كيف لمعارضة لا تقوى على صد هجمات الحكومة العنيفة على جيوب المستضعفين والتصدي للقرارات والقوانين الجائرة وحماية المكتسبات الاجتماعية، أن تهدد بإسقاطها ؟
وما الجدوى من وجود معارضة برلمانية إذا لم يكن بمقدورها الترافع عن مطالب المواطنين والحيلولة دون تبذير المال العام واستنزاف خيرات البلاد؟ فالمغاربة بحاجة إلى معارضة قوية وفاعلة، تحرص على رصد سلبيات وعيوب الحكومة وتنبيهها إلى أخطائها، وتدعوها إلى ترتيب أولوياتها بكل واقعية ووضوح، من خلال انتقادات منتظمة وبناءة تروم الإصلاح وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، سواء تعلق الأمر بالتدبير العام أو تنفيذ الأهداف المسطرة في برنامجها الحكومي، فضلا عن ترشيد النفقات واعتماد الشفافية في إبرام الصفقات، وتفعيل الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة واحترام إرادة الشعب وعدم الاستهانة بتطلعات أبنائه...
فضمن مواد بعض المنابر الإعلامية ذات الانتشار الواسع للأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2020، ورد أن أحزاب المعارضة تتوعد بإسقاط الحكومة، معتمدة في ذلك على جميع الآليات الرقابية التي يتيحها لها الدستور، بسبب ما تراكم لديها من ملاحظات حول تدبيرها السيء لجائحة فيروس كورونا المستجد، وانشغالها فقط بالقضايا الانتخابوية عوض الإنصات إلى نبض الشارع وبحث سبل تلبية انتظارات المواطنات والمواطنين، منتقدة بشدة فقدان مشروع القانون المالي لعام 2021 للرؤية السياسية الواضحة وافتقاره لروح الخلق وإبداع الحلول الواقعية والملائمة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية. وكأن تعاطي الحكومة مع المشاكل والأزمات لم يكن بهذا المستوى من التذبذب والارتجال إلا مع ظهور الوباء الفتاك !
وبالرغم مما حظيت به المعارضة البرلمانية من مكانة متميزة في الدستور، الذي يخول لها فصله العاشر حقوقا وامتيازات هامة لم تكن تتمتع بها من قبل، حيث تمكنها من الاضطلاع بمهامها على الوجه الأكمل سواء في العمل البرلماني أو الحياة السياسية، كحرية الرأي والتعبير والاجتماع، والدعم المالي والهامش الإعلامي ورئاسة اللجن الدائمة وغير الدائمة والمشاركة الفعلية في مراقبة عمل الحكومة وأدائها، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة... إذ ينص الفصل 105 على أنه: "لمجلس النواب أن يعارض
في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم..."
فإنها فقدت توهجها ولم تعد بتلك القوة وذلك الزخم من التدخلات الرصينة التي كانت عليها سابقا، خاصة بعد أن أصبحت الأحزاب بمختلف تلاوينها السياسية منشغلة بمصالحها الضيقة، وإلا ما كان لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني الذي يعتبر من أضعف الشخصيات التي تعاقبت على قيادة الحكومات السابقة الإعلان الصريح عن تحديه لها معتبرا أن تدخلاتها مجرد خطاب "تيئيسي وتبئيسي"، إذ دعاها في مناسبة ماضية خلال إحدى الجلسات الشهرية بمجلس النواب في ماي 2019 إلى تفعيل الفصل 105، إذا كانت ترى فعلا أن عمل حكومته سلبي وكارثي.
لقد نفذ صبر المغاربة وضاقوا ذرعا بما بات يتخبط فيه المشهد السياسي من عبث وميوعة وانتهازية وشعبوية، وما عاد يهمهم تحريك فصول الدستور ولا غيرها. إذ ماذا تبقى للمؤسسة التشريعية والبرلماني من مصداقية وهناك من يتخلى عن مهامه لأمد طويل ويعود دون أن تطاله أية محاسبة؟ فوضى عارمة سمحت لشبكات التواصل الاجتماعي بأن تسحب البساط من تحت أقدام المعارضة، وتشكل قوة ضغط على السلطات العمومية في عديد المناسبات، وأصبح الشعب هو من يمارس دور المعارضة بنفسه، ولا يتردد في رفع تظلماته مباشرة إلى ملك البلاد كلما تعذر عليه تحقيق مطالبه المشروعة. وهو ما يحتم على الأحزاب السياسية وقفة تأمل عميقة، التحلي بالحس الوطني وروح المسؤولية، والحرص على إعادة الثقة للمواطنين في العمل السياسي النبيل، إذا كانت تريد فعلا خدمة المصلحة العليا للوطن وأبنائه.
