برج الحقيقة !
أخبارنا المغربية
لا يوجد تقريبا من لا يعرف برج إيفل المنتصب في العاصمة الفرنسية باريس ، لكن بلا شك قليلون من يعلمون بوجود "برج غلوريس " أو بالأحرى "برج الحقيقة" الذي نصبته شركة فايسبوك في أحد أكثر المباني شهرة في مدينة برشلونة الإسبانية لمكافحة ما تصفها الأخبار المزيفة والقضاء على المحتوى الضار، برج مراقبة رقمي يذكّر أيضًا بشكل أبراج المراقبة التقليدية القديمة ، بناية زجاجية شاهقة بهيكل دائري كانت مشروعا لفندق فتحولت لمركز عالمي لمراقبة كل ما ينشر على الفضاء الرقمي الأزرق .
الللوغاريتمات و المعايير التي تعتمدها فايسبوك داخل "برج غلوريس" لحجب المنشورات التي تعتبرها زائفة لا يعلم عنها شيء و من هنا تبدؤ الحقيقة ! فكيف يمكن لشركة تورطت في فضائح سرقة بيانات مستعمليها و بيعها أن تدعي الحرص على الحقيقة و مكافحة الكذب و التزوير !!
عندما يحاول بعض المستعملين نشر شيء فتصدمهم رسالة: "منشورك ممنوع لأنه يخالف المعايير المعمول بها" يقفز الذهن بلا شك لفضيحة "بيانات فيسبوك كامبريدج أناليتيكا" التي بقيت وصمة عار و إحدى أكبر الجرائم الرقمية التي طعنت في سمعة الشركة الزرقاء و قصمت ظهر أطماعها في الاستحواذ على حياة ملايير الناس و التحكم في أدق خصوصياتهم الحميمة و جعلها سلعة تباع بالدولار ثم استغبائهم بادعاء نشر الحقيقة و مكافحة الزيف و الكذب.
إذا كان برج إيفل بني بسرقة المعادن من مستعمرات فرنسا فإن برج الحقيقة في برشلونة الذي يراقب منشوراتنا الفايسبوكية بني بسرقة المعطيات و المعلومات الشخصية التي صارت تساوي ذهبا في عصر المعطيات الضخمة "البيغ داطا" حتى إن الكاتب الأمريكي كاي فو لي اعتبرها الثروة النفطية الجديدة التي سيتنافس عليها الكبار بعد أن ينضب نفط الخليج العربي ! "كتابه :القوى العظمى للذكاء الاصطناعي: وادي السيليكون والنظام العالمي الجديد" وثيقة مهمة لمن يريد معرفة الحقيقة و ماذا تخطط الشركات التكنولوجية العملاقة التي انتهكت سيادة الدول و اقتحمت حرمات الناس فصارت الحياة الشخصية مراقبة بكاميرات الهواتف و التلفازات الذكية التي يجهل البعض أنها تنقل كل شيء من منازل أصحابها إلى غرف معتمة مجهولة فيها كل شيء يسجل و يباع لمن يشتري.
أرباح الشركة الزرقاء العملاقة وصلت 8 مليار سنويا و كل هذه الأموال هي بفضل مستعملين لا يعلمون أنهم هم و معطياتهم الشخصية و منشوراتهم سلع تباع في أسواق رقمية بملايير الدولارات هذا دون أن يكون لهم الحق حتى في معرفة لماذا تم حذف أو منع منشورهم الذي لم يعجب موظفي فايسبوك في عمارة غلوريس في برشلونة الساهر على حجب الحقيقة و خنق حرية التعبير.
سيستمر فايسبوك في حجب المنشورات التي لا تتماشى مع إيديولوجيات مليارديرات وادي السيليكون فالي و محتضنيهم من العائلات الثرية و مادام المستعملون العرب عاجزون عن اقتحام عقبة التكنولوجيا و صنع منصات عربية خالصة تنشر الحقيقة كاملة دون أبراج و لا عمارات فإن الدكتاتورية الرقمية التي تمارسها منصة فايسبوك لن يغطيها برج غلوريس لأن دوره الحقيقي هو حجب الحقيقة في بناية زجاجية أما العرب فلا هم لهم سوى التفاخر بأبراج الإسمنت والحديد!
