تقعيد من وحي الفيس

أقلام حرة

03/05/2021 17:31:00

سعيد المودني

تقعيد من وحي الفيس

تشكل منصات التواصل الاجتماعي مجالا لتفاعل الناشر والمتابع.. غير أن ذلك التفاعل لا يكون دائما سليما، إذ غالبا ما تشوبه الشوائب، سواء فيما تعلق بالمدون، أو ما تعلق بالمتفاعل..

بخصوص المدون، لا يخفى أن ما ينشر في المنصات المفتوحة يصبح عموميا، من حق أي شخص أن يتفاعل معه بالتأييد والإقرار، أو بالتحفظ الجزئي، أو بالاعتراض الكلي.. ذلك أن ما يُنشر ينشر للقراءة، وما يُقرأ يقرأ قصد التقييم وإبداء الرأي، وإبداء الرأي قد يكون بالموافقة، أو بالمعارضة.. وليس على الناشر إقناع أحد، بل عليه أن ينشر ما يرى،، ويدع الغير يقول ما يرى.. ومن يضيق صدره ولا يتسع للرأي المخالف، يكون قد فعل خيرا كثيرا إن احتفظ برأيه لنفسه بدل أن يطرحه أمام الملأ، لأن من يتوقع أن يقول كل العالمين آمين لكل ما يقوله، سوف يصاب بإحباط واكتئاب كبيرين..

في مجال "التعامل"(التفاعل المقابل)، نجد بين الناشرين "أعلاما" بعيدين عن التجرد والموضوعية والحقانية والتقبل... بحيث لا يسرهم إلا الإقرار والتصفيق والتصديق والتأمين(آمين) والإشادة والمدح والثناء والتعظيم والتبجيل والرفع والتوقيع على بياض... ولا "يُعاملون" إلا من يوافقهم ويصفق لهم على طول الخط في السراء والضراء وحين البأس، و"يترفعون" على من يؤيدهم في هذه ويعارضهم في أخرى، كما هو وارد في أي فعل بشري!!!..

فتراهم يقرؤون كل التعاليق والردود والتعقيبات المرتبطة بمنشوراتهم، فيعززون ما وافق ما ذُكر بالإعجاب أو بالرد أو بالتعقيب، غير أنهم يتجاهلون ما خالف "المعايير المعتمدة"، حتى وإن صدرت ممن يساند في واحدة ويعارض في أخرى.. إنهم هواة وطالبو إجماع!!!..

والكلام ليس عمن تغلبه الكثرة، كما أنه لا يتعلق بـ"رد الجميل".. بل القصد ضرورة امتلاك المدون للشجاعة واللياقة واللباقة والجرأة والتواضع والتجرد والموضوعية وضبط النفس... والتعامل مع المتفاعلين ليس على أساس الموالاة، وإنما من منطلق التفاعل المتبادل ورد الاعتبار وامتلاك الكفاءة اللازمة للدفاع عن الطرح ببيان علة الطرح المضاد الوارد في التعليق، تعبيرا عن كاريزما في التفاعل وسلاسة في التواصل وعمق في التناول..

من جانبه، للمتفاعل المتتبع الحق في التعرض لأي منشور عمومي بالفحص والتدقيق والنقد والتمحيص وتأكيد المؤكد ونفي المغالطة والتدليل على ذلك،، ومن ثم الانتقاد، إن وجب.. لكن من واجبه كذلك بناء ذلك النقد والبرهنة عليه بما ينقض استنتاجات أو أحكام التدوينة/الأرضية، وكذا عدم "الخروج عن النص"، وعدم انتهاز المنشور من أجل "تصفية حساب" أو إفراغ ما قد يكون تراكم في الحويصلة بفعل وضعيات أو مواقف سابقة لا صلة لها بالموضوع، لأن التفاعل -بمقتضى أدنى أبجديات المنطق والمنهج- يجب أن يرتبط بالموضوع المستهدف، بحيث يكون كل من قرأ الموضوع والتعليق عليه قادرا على لمس العلاقة "المشيمية" بينهما..

أما إذا أثار الموضوع حفيظة في "نفس" "المعلِّق"، أو ذكّره بشيء ما، فعليه أن يخصص له هامشا ملحقا، أو يكتب مكتوبا "مضادا" يرد فيه على ما استعصى -موضوعيا/منهجيا- ذكره في النقد/التعليق، أو فتح حلقية مستقلة.. أما الأرضية الأصلية فصاحبها هو من له حق "الإلحاق"،، كي لا يصنف التعليق خارج النص، أو يفسر أنه مجرد تحامل أو تجل لشيء في النفس..

مطب آخر يسقط فيه كثير من "المتابعين"، ألا وهو منهج "الانتقائية المصدرية" في التفاعل، والذي يحيل معيار الاهتمام والتفاعل متعلقا بالناشر وليس بالمنشور، أي أنه إذا كان المتابع على علاقة جيدة بالناشط، فإنه يتفاعل مع منشوراته ولو كانت هراء أو مما لا يستهويه أو لا يقتنع به، وإذا كانت العلاقة غير ذلك، فإنه إما يتجاهل المنشورات أو يعاكسها، ولو عبرت عما عبر عنه هو قبل حين، في تأثير واضح لعوامل ومظاهر الشخصنة..

وللانتقائية وجه آخر، إذ يتجاهل أحدهم منشورات ناشر دهرا من الزمن،، ثم ينبري، كلما بدت -في تقديره- هفوة أو سقطة أو خطأ تقني أو تصوري أو منهاجي أو استراتيجي، ينبري لـ"الجلد" و"والتعريض"، دون أن يستحضر أن الإقرار في الصواب يعطي مشروعية معارضة الخطأ، بحيث يتوازن التعزيزان السلبي والإيجابي، تحقيقا لمبدأ "العدالة بين الثواب والعقاب"..

إنه إذا كانت المسؤولية ملقاة على عاتق المدون ابتداء، فإن قراءة المنشورات والتفاعل معها يجب أن تتم بكل احترام وموضوعية وجدية، دون تأطير أو حكم مسبقين، ودون تعويم الموضوع.. فإن أُعجب الموضوع حاز الثناء، وإن لم يرُق تم إبداء وجهة النظر في "مضمونه"..

 

يجب على العقلاء الابتعاد عن العبث والغثائية والترديد والببغائية، والتأملُ -بدل ذلك- فيما يروج، وفحصه وتمحيصه ونقده نقدا علميا، حتى إذا ثبتت سمنته فذاك، وإن ثبت غثه فالإهمال أولى به،، لأن الخيرين لا يمارون ولا يعاندون، ما دامت غايتهم الحق، يتخذون معالمه منارا وسبيله سبيلا..

 

مجموع المشاهدات: 6522 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟