ملاحم المغرب في مونديال قطر.. وما قدمه المغاربة للعالم من دروس وعبر

أقلام حرة

11/03/2023 19:27:00

عبد القادر كلول

ملاحم المغرب في مونديال قطر.. وما قدمه المغاربة للعالم من دروس وعبر

من أبيات عمرو بن كلثوم الشهيرة في الفخر:

إذا بلغ الفطام لنا صبي ** تخر له الجبابر ساجدينا

هكذا كان ديدنهم في الجاهلية وهم يتفاخرون بالصبيان والفتيان ويباهون بهم القبائل والعشائر. أفلا يحق لنا كمغاربة أن نبتهج في العصر الحديث و قد لمع نجم شبابنا في سماء المونديال، و قبلهم تلألأت نجوم كثر في سماوات الوطن عبر العصورو الأجيال. نجوم سرقت الأنظار وخطفت الأبصار في عز النهار؟! ألا يحق لنا أن نفتخر و نحن نستشعر نظرة العالم بأسره ترنو إلينا، نحن القابعين في أسفل درج عالم ثالث، لا يصله الضوء إلا بمقدار!؟

 لقد عشنا ذروة أفراحنا في كأس العالم المنظم بدولة قطر، وانتشينا بإنجازات وملاحم شبابنا الرائعة التي ربطت حاضرنا بتاريخ الأجداد، رأينا تلك الصور النادرة من التلاحم والتعاضد، سمعنا حكاياتنا تجري على الألسن في كل مكان، فقد استطعنا أن نصنع اللحمة السحرية التي جعلت العديدين يسألون عن سرها وكنهها، ولم يهدؤوا حتى وضعونا تحت مناظرهم الكاشفة، وانطلقت الأبحاث تسبر غور هذا المغرب الذي جاءهم من بعيد، يقلبون في تاريخ البلد، في عاداته وتقاليده، في حواضره وبواديه، في المدارس والشوارع وفي كل مكان خطر لهم على بال.. حتى تصدر إسم المغرب في زمن قياسي أكثر الأشياء المبحوث عنها في محركات البحث على الشبكة العنكبوتية. 

 هذا بفضل شبان تألقوا وحملوا رسالة إعلاء راية الوطن. تجري في عروقهم دماء "تمغربيت" الحقيقية كما رضعوها من أثداء أمهاتهم اللائي لم ينسين يوما انتماءهن لهذه الأمة العظيمة رغم شتات بعضهن واغترابهن في مختلف بقاع العالم الشاسع. لقد عدّنا من يجهلنا ظاهرة واستثناء، لكننا كمغاربة لم يشكل لنا ذلك مفاجأة مطلقا، ذلك لأننا عرفنا منذ زمن بعيد خبزنا و مماذا يتشكل، وماهية التوابل التي صنعت مذاق كل هذا التميز العجيب! 

إنه فخر الانتماء، ذلك الوقود الذي يرفع في المرء منسوب النخوة في الدماء، ويحمله على العطاء بسخاء، و يجعل الإيثار ينهمر من جوارحه أنهارا.. حينها يصبح التفكير في الذات شيئا متجاوزا، والنرجسية فعلا معيبا، ويمسي الحس الجماعي هو السائد بين الأفراد، كل يجاهد نفسه ويتحامل، ليبني جسرا للعبور لضفة المجد، ففي النهاية الوطن هو الرابح، وكلما تحقق الانجاز، يعم فضل ذلك على الجميع.

لقد عاين العالم تلك الروح المعنوية التي تلبست اللاعبين وكسرت كل قواعد المنطق، ذلك أن الصغار باتوا يلقنون الدروس للكبار، والفرق العريقة اجتثت من فوق عروشها لتفسح المكان للفرق الطموحة. وكان المغرب واحدا ممن قلبوا تلك الموازين بفضل شبابه الذي قطع على نفسه العهد ألا يعود حتى يخلد في صحائف المونديال إسمه مع الخالدين. وقد تأتى له ذلك، في وقت لم يراهن عليه أحد، وعاد إلى أرض الوطن، مزهوا بمقعده الذي حجزه بين الأربعة الكبار.

وإن كان ثمة من حكمة وجب استخلاصها من كل ما سبق، فهي أن وصفة النجاح لا تأتينا دائما من الخارج، ولا يمكننا الإعتماد على غيرنا دوما لرسم مساراتنا للمضي قدما إلى الأمام، طالما أننا نمتلك بدواخلنا طاقة مدخرة بمقدورها الدفع بنا بعيدا، ألا وهي الوطنية الحقة والشعور بكونك لا تمثل ذاتك وحدها، ولكنك ثمثل شعبا وأمة برمتها.

إن هذا هو ما يجب على شباب اليوم أن يدركه، حتى لا يتعثر في مطبات النرجسية وتقديس الذات، مع كل ما يرافق ذلك من سلبيات، مثل الغرور والتهافت على الشهرة دون أن يقيم وزنا للخسائر المتوارية خلف فخاخ الإشعاع الزائف ومصائد الإعجابات و المجاملات.

إن المغرب اليوم في حاجة إلى شباب يقدر دوره ويقيس حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه. يحتاج من يحمل المشعل بوعي متقد، وبإدراك لا يشوبه خدر، حتى لا ينزلق نحو أتون الانحراف في زمن باتت فيه سوسة التضليل الإعلامي تنخر جسد العالم، وأضحت حروب الاستلاب الثقافي والعولمة تصوب بنادقها نحو عقول الشباب لنزع قيم الوطنية منه، و إفراغه من حسه القومي و ولائه للوطن. 

مجموع المشاهدات: 6496 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟