لعلكم تتقون ..الآن
ابراهيم أقنسوس
تتحدد الغاية المثلى من رمضان ، ضمن الآية التي تؤكد على مشروعية الصيام ، بالنسبة إلى المؤمنين والمؤمنات ، في كلمتين اثنتين ، هما (لعلكم تتقون) ؛ هذه هي العبارة التي يتم تداولها بشكل كبير خلال هذا الشهر ، وتتصدر جل أحاديث العلماء والوعاظ ، دون أن نتمكن من الحصول على إجابة دقيقة وواقعية ، عن السؤال ، الذي يجب أن يتجدد ، ماذا تعني التقوى اليوم ؟؟ ، وكيف يمكن أن تتجلى ، بعد أن ينصرف المسلمون والمسلمات من دور العبادة ، ويؤدوا شعيرة الصيام والقيام ؟ . يسهل أن نلاحظ هذا الإقبال على عمارة المساجد ، وعلى قراءة القرآن الكريم ، وتلاوة الكثير من الأذكار والتبتلات ، خلال هذا الشهر، لكن السؤال الذي يتجدد كل عام ، ما الذي يتغير ، بعد كل هذا ؟ ، ولماذا لا نستفيد الإستفادة المرجوة ، من روحانية هذه الشعيرة التعبدية ، التي يسميها العلماء ، بميزان العام ، والتي يفترض أن تأتي لتعيد الأمور إلى أصلها المعقول والصحيح ، وتضبط التوازن الشخصي والإجتماعي للأفراد والمجتمعات المسلمة . يبدو أن علينا أن نكف عن كثرة الكلام ، وتكرار ما لا يفيد من الأحاديث ، ونركز رأسا على المرامي والغايات التي نريدها هذا العام ، من صيام هذا الشهر الآن . أزعم ، أن هناك تحديين كبيرين ، إذا استطعنا أن نتجاوزهما ونعالجهما ، سنكون قد حققنا الكثير في هذا الشهر الكريم والآن .
التحدي الأول مادي : ويعني علاقتنا بآفة الإستهلاك ، في رمضان ، إذ يلاحظ أن لدينا مشكلا كبيرا في علاقتنا بعادات الأكل ، وفي رمضان بخاصة ، حيث يتجلى هذا المشكل بوضوح ، ويكفي التأمل في جل أحاديثنا في هذا الشهر، لنلاحظ أن ما يغلب عليها ، هو ماذا أكلنا وماذا سنأكل ، وكيف سنتدبر المائدة ؛ هل نحن أمة جائعة ، أو تخاف الجوع ؟ ، بما يمكن أن تحمله هذه العبارة من معاني ؛ مامعنى هذا الإفراط في الحديث عن الأكل في رمضان ، وما معنى هذا الجشع والهلع ، الذي يرافق تدبيرنا لمائدة الإفطار بخاصة ؟ ، وما معنى هذا الحرص على توفير الكثير من الأطباق في رمضان ، والحرص على تناولها جميعا ، بصرف النظر عن قيمتها الغذائية والصحية ؟؟ ، ودون الإنتباه إلى كلفتها المادية الباهظة ، ومع هذه الموجة العاتية من الغلاء ؛ السؤال العريض ؛ الذي يقفز هاهنا ، ما علاقة رمضان بكل هذا ؟ . والملاحظ أنه ، بقدر ما تنتشر الأحاديث المرتبطة بالأكل والمأكولات ، أو مانسميها ب(الشهيوات) ، تنتشر في المقابل ، الأحاديث المعنية بالسلوكات الصحية السليمة ، لكن النتيجة في النهاية واحدة ، مفادها ، فشلنا الواضح في تدبير علاقتنا بالأكل ، الذي يعني فشلنا في تدبير علاقتنا بأجسامنا ، وعدم تمكننا من التعاطي معها بعلمية وإيجابية ، وعدم جديتنا في حمايتها من الأسقام والعلل ، المرتبطة أساسا بعاداتنا الغذائية ، غير السوية ؛ وإذا لم نقم بتصحيح هذه الأخطاء في رمضان ، فمتى نفعل ذلك ؟ ، دون أن ننسى طبعا ، أن تحويلنا إلى كائنات استهلاكية لاواعية ، أمر مقصود لذاته .
التحدي الثاني : ويعني جانبنا التربوي والقيمي ، الذي يعج بالكثير من التناقضات ، والمتعارضات التي تتطلب التحليل والفهم ، إذ يستطيع الكثيرون منا بقدرة قادر ، الجمع بين السلوك ونقيضه ، بلا أدنى تحرج أو ندم ؛ يحرصون على إتمام صلاة التراويح مع الإمام ، ثم لا يجدون حرجا بعدها مباشرة ، في اقتراف العديد من الأخطاء والخطايا علانية ؛ في اغتياب الناس ؛ في ممارسة الكذب بأنواعه ؛ في التلفظ بالكلام البذيء ؛ في الغش في الأعمال ؛ في التملص من المسؤوليات ، والتغيب عن الوظائف ، بالنسبة للمهنيين ، وفي التطفيف في الميزان ، والتدليس في الصناعات ، بالنسبة لأصحاب الحرف . إن هذا التناقض الصارخ ، بين الأقوال والأفعال ، وإن هذا الجمع غير المعقول ، بين الإقبال الظاهري على العبادات ، وبين سوء المعاملات ، يكاد يعم جل الشرائح الإجتماعية في بلادنا ، بكل مستوياتها ومسؤولياتها ، وهو من أبرز أسباب تخلفنا وتراجعنا ، على كل المستويات والأصعدة ؛ وإذا استطعنا في هذا الشهر الكريم ، أن نعالج هاتين الآفتين الكبيرتين ، المادية المرتبطة بأجسامنا وذواتنا ، والتربوية المرتبطة بقيمنا الفردية والإجتماعية ، وأن نجد لهما حلولا ، ولو في حدودها الدنيا ، سنكون بالفعل قد صمنا رمضان ، وسنكون بالفعل ، قد اقتربنا من الفهم الصحيح ، ومن التمثل الواعي والفاعل والواقعي ، لقوله تعالى : (لعلكم تتقون) سورة البقرة .(الآية : 182).
