الفساد ظاهرة مجتمعية تحتاج مقاربة سلوكية

أقلام حرة

25/02/2024 18:40:00

برعلا زكريا

الفساد ظاهرة مجتمعية تحتاج مقاربة سلوكية

ببساطة لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي في بلد مثخن بجراح الفساد، ولعل ذلك ما تنبه له قادة الصين الشعبية مطلع العشرية الثانية من الألفية الثالثة، حيث تشير مجموعة من المراجع أن أهم حملة لمكافحة الفساد في تاريخ الصين الحديث جرى تنزيلها منذ 2012، إذ تم القبض على عدد كبير من المسؤولين الذين اصطلح عليهم "النمور" في سياق تحقيقات بتهم الفساد.

وإذا كانت الصين اليوم أحد أقوى اقتصادات العالم، فمرد ذلك إلى إصلاحات جوهرية، من ضمنها مكافحة الفساد !

وفي المغرب، أكثر ما يشغل الرأي العام والأوساط السياسية في الوقت الحالي هو محاربة الفساد، وذلك بالتزامن مع شبهات وتحقيقات تتعلق بمسؤولين وشخصيات ذات وزن سياسي كبير، مع ذلك فإن مكافحة الفساد عندنا ليست وليدة اللحظة، فمثلا جاء في الخطاب الملكي ليوم 30 يوليوز 2016 بمناسبة ذكرى عيد العرش أن : “محاربة الفساد هي قضية الـدولة والمجتمع، الدولة بـمؤسساتها ، من خلال تفعـيل الآليات القانونية لمحاربـة هـذه الـظاهـرة الخطيرة ، وتـجريـم كل مظاهرها للضرب بـقـوة على أيـدي الـمفـسدين”. بل قبل هذا التاريخ صادق المغرب على اتفاقية هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2005، وأصبح بالتالي ملزما بالانخراط في ورش مكافحة الفساد.

ناهيك على أن المغرب يتوفر على مؤسسات شغلها الشاغل هو محاربة الفساد، أبرز هذه المؤسسات : المجلس الأعلى للحسابات، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. إضافة إلى أن جرائم الفساد ترقى لخيانة الأمانة وتستوجب العقوبات التأديبية في كل المؤسسات العمومية والتشريعات المهنية !

لكل ذلك فإن ما نعيشه اليوم من صحوة في مكافحة الفساد ليس سوى تنفيذ توجيهات ملكية، وتفعيل قوانين موجودة أصلا ! وقد يكون هناك بعض الإكراهات التي أخرت هذه الحملة إلى بداية 2024.

بالعودة للنموذج الصيني وتجارب دولية أخرى، فمحاربة الفساد لا تتم بين عشية وضحاها، بل تمر عبر مراحل، وتتطلب وقتا ونفسا طويلين، وخطط وقاية مستدامة.

فالصين لازالت تعاني من الفساد ليومنا هذا.

وتبقى أفضل طرق محاربة الفساد هي استئصاله من سلوك الأفراد عبر التربية على المواطنة منذ الصغر.

 فالرشوة لها طرفان : الراشي والمرتشي، ولا يقل ذنب الأول درجة عن الثاني، ويبقى سلاح التثقيف أهم ما يمكن محاربة به الفساد.

فكما يوجد رؤساء جماعات متورطون، يوجد كذلك من مختلف طبقات المجتمع، كل من موقعه !

الحديث هنا عن مجموعة من الناس، نراهم يوميا في حياتنا، قد يكونوا أصدقاء أو جيران، أو زملاء في العمل، أو حتى أقارب. أصنافهم متعددة، فهذا موظف مرتشي. وذاك مسؤول ينهب المال العام. قد يكون بائعا يتاجر في مواد منتهية الصلاحية أو يرفع الأسعار جشعا وطمعا، قد يكون طبيبا لا يبالي بصحة المريض، بل كل همه بناء “فيلا” الأحلام حيث المسبح الكبير ومساكن كلاب "الروتوايلر".

قد يكون ممرضا يبيع دواء المستشفى العمومي، أو أستاذا يقتات على أحلام الآباء وأبنائهم من خلال الدروس الخصوصية.

قد يكون موثقا ينهب أراضي الضعفاء، أو قاضيا ، أو محاميا يتآمر على موكله وعينه على سيارة “المرسيدس” التي ينقصه القليل لامتلاكها.

قد يكون صحفيا يصطاد في الماء العكر، لا يهمه إن كان المحتوى الذي ينشره بذيئا أو خادشا للحياء أو إساءة وتشهيرا بقدر ما تهمه إيرادات "الأدسنس".

قد يكون صيدليا يبيع الدواء دون وصفة طبيب بل ويتقمص دور الطبيب ويعطي العلاج من اجتهاده، فقط لتتحرك آلة الصرف وتطلق صوتها الذي يطربه.

قد يكون موظفا بنكيا يتلاعب بالأوراق، وبعقول الزبائن المغلوب على أمرهم ويسلمهم قروضا قد لا تتحملها إيراداتهم الهزيلة، يشاهدهم يغرقون ولا يحرك ساكنا، كل همه الزيادة التي سيتوصل بها عن كل ملف ينجزه.

قد يكون منعشا عقاريا يغش في البناء، ويبخل في المواد الأولية لكي يحقق أكبر قدر من الأرباح ، ولا يهمه إن سقطت البناية فوق رؤوس ساكنيها...

بمعنى آخر أن عددا كبيرا من المواطنين لديهم الاستعداد لاتباع طرق الثراء غير المشروعة فقط لم يجدوا بعد فرصة مواتية لذلك ! وهنا يكمن الخطر، فالفساد في العقول والضمائر قبل أن يكون في كل المحاور.

 

 

مجموع المشاهدات: 18141 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟