على هامش زيارة "دي ميستورا" لجنوب إفريقيا

أقلام حرة

25/02/2024 21:50:00

نورالدين زاوش

على هامش زيارة "دي ميستورا" لجنوب إفريقيا

قد نتفهم جنون بلد، مثل الجزائر، يقتسم معنا آلاف الكيلومترات من الحدود المشتركة، ويصبو لكي يكون له منفذ على الأطلسي مهما كلّف ذلك من ثمن، بلدٌ يشعر بالدونية وعدم امتلاك مظاهر الرقي والتحضر؛ فهو يعمل صباحا ومساء لكي يكون له موطئ قدم في كتب التاريخ ولو بتزوير الحضارة والتاريخ؛ لكن جنون بلد، مثل جنوب إفريقيا، يبعد عنا بستة آلاف كيلومتر، ولا يجمعنا به سوى لحظاتٍ نادرة من لحظاتِ التاريخ، ساهمنا فيها بالمال والسلاح من أجل أن يناهض العنصرية التي قصمت ظهره وقسَّمت أرضه؛ فهذا ما لا طاقة للعقلاء على فهمه، ولا قدرة لمن ألهمه الله تعالى القدرة على التحليل على تحليله.

حينما يتردد على مسامعي قول المتنبي: "أنا الثُّريا وذانِ الشيبُ والهرمُ"، أشعر بأن المغرب العريق من يردده وهو يشير ببنانه إلى الجزائر التي غزاها الشيب رغم أنها حديثة السن؛ أحدث حتى من "إسرائيل"، وجنوب إفريقيا التي هرمت فيها الفضيلة وأكل الحسد جزء من كبدها، جرّاء انتزاع المملكة المغربية الشريفة منها ريادة إفريقيا في شتى المجالات، خصوصا في مجالات الصناعة والتجارة والسياحة والدبلوماسية؛ حيث فاز عليها المغرب برئاسة مجلس حقوق الإنسان في مجلس الأمن بقرابة ضعف الأصوات، وكذا رئاسة مجلس الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي، الذي طالما بسطت جنوب إفريقيا سيطرتها عليه؛ إلا أن ذلك أصبح من الماضي بعد قرار رجوع المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2016م.

غير أن ما يؤرق جنوب إفريقيا أكثر من رئاسة مجالس إقليمية أو دولية ستنتهي عهدتها في يوم لاحق، كون المغرب أحكم سيطرته على إفريقيا وللأبد، حتى عاد البلد الأكثر استثمارا فيها والأكثر وثوقا لدى دُوَلِها؛ نظرا لحكمته وسِعة نظره وعدم تدخله في الشؤون الداخلية للدول، وكذا ربطه علاقات رابح - رابح بعيدا عن عقلية الاستغلال والتحكم ولَعِب دور الأستاذية، وأكثر من ذلك، فقد أصبح المغرب المخاطب الأساسي للاتحاد الأوروبي وأمريكا وحتى روسيا والصين حينما يتعلق الأمر بالقارة الإفريقية، هذا ما يفسر اختيار المغرب دون غيرها للقيام بمناورات "الأسد الإفريقي"، والتي تضم أكثر من 6000 جندي من أكثر من 20 دولة وعلى رأسها أمريكا، وكذا رغبة هذه الأخيرة لنقل مقر القيادة الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" للمغرب الذي رفض الاقتراح.

قد يقول قائل بأن جنوب إفريقيا يُحسب لها كونُها رفعَتْ على إسرائيل قضيةً في محكمة العدل الدولية؛ لكنها فقط "السياسة لعنها الله"، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها؛ وإلا ما معنى أن تحظى جنوب إفريقيا بعلاقات تجارية واسعة معها؛ بل وتُعتبر ثاني مُصدر في إفريقيا لإسرائيل؛ وأن هذه المبادلات لم تتوقف في يوم من الأيام، ولا حتى في ظل ظروف رفع الدعوة "المباركة"، وكيف نفسر وجود علاقات سياسية بلغت حد وجود سفارة لجنوب إفريقيا بإسرائيل؛ إن لم يكن الضحك على ذقون السُّذج والمغفلين، وإثارة المزايدات السياسية الفارغة، والتي يُرجى منها تلميع الوجه القبيح للحزب الحاكم المقبل على الانتخابات، خصوصا بعدما ازدادت فضائحه وتآكلت شعبيته.

وليس هناك من تأكيدٍ على فشل هذا البلد "المنبوذ" أفضل من تعليق ناصر بوريطة على زيارة "دي مستورا" لجنوب إفريقيا، حينما صرَّح بأن هذه الأخيرة لا وزن لها ولا تأثير في المنطقة، وأنها فاعل هامشي لن يغير في قضية الصحراء موقعَ حبة رمل، ثم أكّد ذلك عمليا بلقائه، على هامش مؤتمر الدول متوسطة الدخل، بوزيرة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي لمملكة "إسواتيني"، فوليل شاكانتو، التي جددت دعم بلادها لمغربية الصحراء، كما ذكّرت بفتح بلدها لقنصلية بالعيون سنة 2020م؛ علما أن هذه المملكة تقع بكامل ترابها داخل جغرافية جنوب إفريقيا، وأنها كانت مستعمرة تابعة لها؛ ومع كل ذلك لم تؤثر في قرارها السياسي، فبالأحرى أن تؤثر في سياسة باقي الدول.

 

مجموع المشاهدات: 21122 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟