كتامة..قرية النساء

كتامة..قرية النساء

عبدالسلام المساتي

 

... السادسة مساءا ،شهر يونيو أو يوليو، ربما غشت..أقف على سطح المنزل حيث أستطيع أن أرى كل زاوية من زوايا هذه القرية الواقعة بمكان ما بمنطقة ما تسمى "كتامة"...مجالات خضراء جميلة وجذابة ، تبعث نوعا من الراحة  داخل الذات..الجو هادئ ونسمات من الهواء الدافئ تداعب أوراق شجر التفاح على يميني.

أجول بعيني بين زوايا هذا المجال الفسيح ،أرى مزارع الكيف تستحوذ على كل شبر من أراضي المنطقة، أرى آلات ترش الماء هنا وهناك ، أرى رؤوسا تتسلل بين المزارع محملة بفؤوس تصلح لتسريح السواقي، وتحويل مجرى المياه من فدان لآخر ..

أرى نساء محملات بأوزان ثقيلة من عشبة الكيف التي تم حصدها للتو،لا أرى أثر رجل بينهن .النساء والفتيات هن من تشرفن  على جني المحصول مستعملات أيديهن دون حماية وفي وضعية صعبة لا تناسبها إلا قوة الرجال...تشرعن في هذا العمل عند الرابعة صباحا وترجعن للمنزل عند التاسعة..تفطرن وتنجزن أعمال المنزل الأخرى من طبخ وعجين و تصبين ...ثم تعودن للمزارع عند الرابعة زوالا ، تبقين هناك تحت أشعة شمس الصيف الحارقة إلى حدود الثامنة، تجمعن المحصول وتحملهن على ظهورهن ..تقطعن مسافات طويلة قبل الوصول إلى المنزل..يتكرر هذا المشهد كل يوم  لمدة قد تتجاوز الشهر.

أراهن مبتسمات فلا أفهم شيئا، أتذكر في هذه اللحظة صراخ المثقفات والسياسيات مطالبات بمبدأ تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة !!! أبتسم...

حل المساء وقررت أن أقصد محلا يجتمع به رجال و شباب هذه القرية، ليس مقهى أكيد ولكنه يشبه المقهى..أخذت مكانا، على صخرة تشبه الكرسي ، ولكنها ليست كرسي ،بين مجموعة من الشباب غير المتزوجين، كنا نتحدث عن الكرة ... ثم التحق بنا أحد المتزوجين و أب لطفلين، لم يجلس لأنه لم يجد صخرة ليجلس عليها..ابتسم في وجهي و سألني عن الأحوال، أمأت له برأسي مبتسما ، وهي إشارة تعني أني بخير...يعرف الجميع أنه كثير الكلام الطابوهي ، بدأ يتحدث عن مغامرته الجنسية بالأمس مع فتاة أخرى غير زوجته ، يتحدث بفخر واعتزاز، معجب بنفسه وبمغامرته الجنسية، يقول وهو يضحك :" كنا نمص بعضنا بعنف وبلذة..." في هذه اللحظة أتذكر أني قبل قليل رأيت زوجته تحمل على ظهرها حزمة ثقيلة من الكيف وتضع ابنها الرضيع بين يديها !!!

يزعجني ما أسمع و يزعجني ما أراه، ويستفزني هذا المجتمع الرجالي الذي يفهم الحياة في لحظة نشوة ..لم تزوجت يا سيدي وأنت تعلم أنك ستخون؟؟ لأنقذ فتاة من العنوسة...هنا تحضر أحلام مستغانمي بفصل محذوف من روايتها "فوضى الحواس" لتقول بنوع من التأييد لهذا الخائن:"العوانس من القريبات يحسدنني.منذ سنوات و أثوابهن تنتظر في الحقائب مجيء عريس.أما أنا فجاء من يخطفني قبل أن أعد جهازي.الفرح يسخر ممن يستعد له..كل فتاة تحلم بأن يخطفها يوما رجل كزوجي.لا يمكن لأحد أن يفهم حزنك، لأنك كلما أردت أن تحقق أحلامك حققت أحلام الآخرين"

أحلام  لم تحمل حزمة الكيف فوق ظهرها.. أحلام لا تعرف نساء ولا رجال  قريتي  ،لو زارت تملوكيت لمزقت كل روايتها..

حملت حقيبتي وغادرت عند الصباح..وادعا قريتي .قرية النساء...لكني سأعود إليك لأتبرك من نسائك.. 

 

 

 

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة