يومية عاطل عن العمل

أقلام حرة

28/10/2014 22:02:00

حسن المولوع

يومية عاطل عن العمل

 

على غرار باقي الكادحين لم أقطع بحرا ولا محيطا عبر باخرة لقضاء عطلتي الصيفية, أو أحلق بالطائرة جوا للسفر إلى جغرافية أوربية أو أمريكية ، بل الأكثر من ذلك لم يتسنى لي الذهاب إلى مدينة أو قرية مغربية .

مكثت بين الحيطان مختبئا أقاسي وحدتي وأصرف أيام عطا لتي مبحرا بين جريدة أو مجلة أتلقفها من مقهى( بعدما انتهت صلاحيتها)..أجوب الشوارع تائها شاردا وكأنني الحر الطريد في وطني ، نبذه الزمان ورماه خارج الحدود حتى لم تعد له قيمة الوجود ، هكذا هي يوميات عاطل عن العمل.

إن قسوة العطالة أشد مرارة لباحث عن عمل ، تحدى حياته وتمرد عليها بأنفة وعزة وكبرياء ، كد واجتهد ، زرع ولم يحصد سوى خيبة الأمل في هذا الزمن الردئ المتلون الذي يجبرك على الاستسلام أمام طاحونته لتعصرك عصرا حتى تصير أداة غير صالحة للاستعمال.

إنما اشكوا بتي وحزني إلى الله لا إليك يا قارئ اسطري ، وما أريد من بوحي هذا إلا تسليط بعض من الضوء على معاناة أتقاسمها مع شريحة منهم يعشون نفس وضعي ، ازدادوا فقراء وأرادوا فقط أن يحمل كل واحد منهم صفة مواطن له مأكل وملبس ومسكن ، لكن إسرارهم على الحياة ما زادهم إلا فقرا وحياة أكثر بؤسا.

أظن أن لا أحد يستطيع أن يتحدث عن البؤس و العطالة سوى من ذاق ويذوق لهيبها ، إنها لظى حارقة، سكين جارحة، قنبلة موقوتة تنفجر في قلبك كلما نظر إليك عجوز بعين الشفقة.

أنت.."مازال ماسهل عليك الله"

تنظر إليه ولا تستطيع الإجابة ، وإذا ما أجبته ،تقول له وأنت تتلعثم بكلمات معدودات " باقي أحنا تنتسناو"

لكن العجوز لا يرحم ليعطيك الرد السريع " وسير عدي باش ماعطا الله او متبقاش جالس اوعاطيها للدوران"

تبتسم في وجهه ابتسامة صفراء كأوراق الخريف اليابس وتشكره على النصيحة وفي داخلك ألم وغصة تقطع نياط قلبك..تمضي لحال سبيلك ممتطيا صهوة خيبتك ، تتقاذفك الدروب والأزقة وفي كل مرة تتحسس هاتفك، وكلما رن تحسبه إدارة تطلبك للعمل.

إنها رسالة إشهارية " عروض عبئو ترزقو ساعة أو ساعتين أوووقسسسسم بالله" ،رسائل تشعرك وأنت في غمرة جفاف جيبك بالتقزز وارتفاع الضغط الدموي تماما كارتفاع فاتورة  الماء والكهرباء في ظل حكومة الحرباء التي لازالت تحارب التماسيح والعفاريت.

ترجع هاتفك من حيث أخرجته ،وتواصل طريقك نحو وجهتك المجهولة..تمشي بدون إحساس..لا تشعر بالعياء ولا تفكر في أي شيء ..يقطع شرودك بين الفينة والأخرى ضجيج السيارات والدراجات النارية والحافلات.

كل شيء تنظر إليه بعين التقزز والتذمر..تلتفت يمينا..تلتفت شمالا..تظهر لك تلك الفتاة ذات الصدر المنتفخ.. تقف في مكانك حتى مرورها..تتبعها بنظرات لذيذة حتى تنظر مؤخرتها البارزة..لذة خيالية تسافر بك من العالم المجهول التائه به إلى معلوم تتوهمه في سعادة خيالية.

إنك في هذه اللحظة تعيش معها سباحة سريرة..تتخيلها بجانبك..تداعبها وتداعبك..حتى تصل إلى "جنريك النهاية"

لقد وصلت إلى آخر الشارع ولم يعد يظهر لك منها إلى الضباب..تستفيق من غيبوبتك اللحظية وتعود إلى حال رشدك وتواصل طريقك نحو الوجهة المجهولة وأنت تفكر فقط في عطالتك التي حولتك إلى معطوب داخل وطنك لا تستطيع تكوين أسرة أو توفير أبسط ضرورات الحياة، إنها مأساة تراجيدية سوداء.

ينتابك إحساس الظلم وتشعر بأنك مظلوم ولا تعرف من هو ظالمك، تحس بأنك منبوذ وعالة على المجتمع ، لا تصلح لأي شيء ، تعيش على هامش الحياة مستسلما لقدرك ، تتلقفك نظرات الشفقة من والديك وممن يعيش حولك ، يتملكك إحساس الانكسار أمامهم وأنت تنظر إليهم وينظرون إليك.

إنه أباك مازال على عادته يدخل يده في جيبه ويعطيك بما يجود به من قطع أو ورقة نقذيه ، فيما يشبه العملية الآلية اعتادها منذ أن خرجت من رحم أمك، منذ أن كنت كومة لحمية ، أباك..يذهب في الصباح الباكر ليصارع الحياة ، أمك..تمكث في البيت ترضعك وترعاك حتى تنمو وتترعرع الكومة وتصير جسدا يستطيع مجابهة الحياة ومساعدة أباك وتحمل عنه جزءا من عبئها، لكنك لا تستطيع، جسدك واهن لا تذب فيه الحياة ، حينها يتبخر أمل الأب والأم فيك وينطفئ نور الطموح والأحلام ويصبح الجميع ممسكا بديل الحياة في محاولة للعيش داخل ما يسمى بالوطن......(يتبع)

مجموع المشاهدات: 1818 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟