الرئيسية | حوادث وقضايا | بعد واقعة "السيليسيون"...ما سبب الإقبال المخيف للتلاميذ المغاربة على استهلاك المخدرات؟

بعد واقعة "السيليسيون"...ما سبب الإقبال المخيف للتلاميذ المغاربة على استهلاك المخدرات؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
بعد واقعة "السيليسيون"...ما سبب الإقبال المخيف للتلاميذ المغاربة على استهلاك المخدرات؟
 

بقلم : اسماعيل الحلوتي

صادم وموجع، ويمكن أن تنطبق عليه كل صفات القبح والانفلات الواردة في قواميس اللغة العربية، ولا يخص الأمر هنا فيلما مغربيا رديئا وخادشا للحياء أو تسجيلا لمحاولة اعتداء، بل هو أفظع من ذلك بكثير، إذ يتعلق بشريط فيديو تداوله المغاربة على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي يوم: الجمعة فاتح نونبر 2019، تظهر فيه مجموعة من التلميذات والتلاميذ بمستوى التعليم الإعدادي بزيهم المدرسي، منعزلين بعيدا عن مؤسستهم التعليمية، وهم منهمكون في استنشاق مادة "السيليسيون" المخدرة، في وقت كان يجدر بهم التواجد بحجراتهم الدراسية.

وبصرف النظر عن التفاعل الإيجابي لولاية أمن مدينة بني ملال، التي سارعت في إطار مهامها ودورها المركزي في مكافحة مثل هذه الظواهر إلى فتح تحقيق في الموضوع، بالاستماع إلى جميع القاصرات والقاصرين الذين ظهروا في التسجيل، فإن الحادث المروع كشف عن أن إحدى التلميذات ظلت غائبة عن الدراسة لمدة عشرة أيام، وخلف استياء عميقا في أوساط الأسر المغربية، كما أثار نقاشا واسعا لدى الرأي العام الوطني، لاسيما أن المشكل يهم أطفالا في عمر الزهور مازالوا يتابعون دراستهم. وبلغت أصداؤه إلى البرلمان عبر سؤال شفوي تقدم به أحد النواب إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، حول طبيعة الإجراءات المزمع اتخاذها لمكافحة ظاهرة انتشار تعاطي المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية، وحماية المتعلمين من الأخطار المحذقة بهم.

وجدير بالذكر أن مخدر "السيلسيون" المستعمل من طرف أولئك التلاميذ، مادة كيميائية ذات رائحة نفاذة، وهي نوع من الغراء الذي يستعمل في عمليات إصلاح عجلات الدراجات، ويباع في محلات بيع العقاقير بسعر زهيد. ورغم تزايد الإدمان على هذه المادة من لدن فئات المراهقين والأطفال المشردين، وانتقاله في السنوات الأخيرة إلى صفوف تلاميذ المدارس، حيث أصبحت أنابيب "اللصاق" وقطع القماش المبلل والأكياس البلاستيكية ضمن الأدوات المدرسية في محافظهم، وما بات يشكله استهلاكه من خطورة على صحة الإنسان في تدمير سريع لجهازه العصبي وخلايا دماغه، مازالت السلطات المعنية عاجزة عن القيام بما يلزم من تدخلات وقائية قصد منع تجارته أو فرض قيود على تصنيعه، وتغيير رائحته بشكل يحد من الاستمرار في استعماله، كما حدث في عدة بلدان مجاورة بعد أن لوحظ تكاثر إقبال المراهقين على استنشاقه.

وأمام هذه الواقعة الأليمة والمستفزة لمشاعرنا، لا يمكن إلا أن نتساءل بحرقة عن الأسباب الكامنة خلف تعاطي تلامذتنا هذه الآفة المدمرة، التي من شأنها أن تعصف بمستقبلهم وتزج بهم في مستنقعات الإدمان والإجرام، عوض الانصراف إلى تغذية عقولهم بما هو أفيد لهم ولأسرهم وللمجتمع؟ وقبل المرور إلى الرد على هذا التساؤل الحارق، تجدر الإشارة إلى أن مكتب الأمم المتحدة المتخصص في قضايا المخدرات والجرائم، سبق له أن دق ناقوس الخطر في عديد المناسبات، كان آخرها تقريره برسم عام 2018 الذي رسم من خلاله صورة قاتمة عن الوضع المتردي بمؤسساتنا التعليمية، من حيث تفشي ترويج واستهلاك المخدرات بمختلف أصنافها في صفوف تلامذتنا ذكورا وإناثا. وأن دراسات ميدانية لجمعيات وطنية تعمل في ميدان مكافحة تناول المخدرات والحبوب المهلوسة، سجلت هي الأخرى ارتفاعا مخيفا في نسبة تلاميذ سلكي التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي الذين يتعاطون المخدرات بالمؤسسات الواقعة وسط الأحياء الشعبية، خاصة في مدينة الدار البيضاء وضواحيها.

وبالعودة إلى دواعي تفاقم الظاهرة، فإننا نجد أن علماء الاجتماع يؤكدون على أن الطفل يأتي إلى عالمنا كصفحة بيضاء، ثم لا يلبث أن يخضع إلى عملية تطبيع مع المجتمع بواسطة الأسرة والمدرسة والشارع ووسائل الإعلام، وهي فضاءات تتظافر على تنشئته وتحويله من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، وهكذا يتشرب بصفة تدريجية عددا من المواقف والأفعال والتجارب النفسية والاجتماعية، التي تساهم في تكوين شخصيته. بيد أن المراهقة تظل من أصعب مراحل العمر التي يمر منها الإنسان، لما يحدث له من تغييرات سيكولوجية تخل بتوازناته النفسية، وتولد لديه حالات من التوتر والاضطراب، تجعله أحيانا يندفع لا إراديا إلى الجنوح والانحراف، مما يستدعي عناية خاصة إلى حين تجاوزها...

فمن بين أكثر الأسباب المؤدية إلى إقدام المراهق على اقتراف أعمال منافية للقانون وبعيدة عن القيم الأخلاقية، نجد أن الطفل الذي ينشأ وسط أسرة مفككة، ويعيش في أجواء يسودها العنف المتبادل والمشاحنات المستمرة بين الأب والأم، ويعاني من الحرمان والإهمال وعدم التوجيه والمراقبة، فضلا عما يتعرض إليه من تهميش وإقصاء بالمدرسة، يكون أكثر عرضة للانسياق خلف رفقاء السوء والانحراف. إذ يلاحظ أن عددا كبيرا من التلاميذ دون سن الثامنة عشرة يتألمون بصمت في غياب تواصل أساتذتهم معهم، وعدم وجود مساعدين اجتماعيين وأطباء نفسانيين داخل مؤسساتهم، لمتابعة أحوالهم النفسية والصحية.

 

إن الهشاشة الاجتماعية من بين أبرز العوامل المؤثرة في صناعة المنحرفين والجانحين من أبنائنا، إذ في ظل الشعور بالتهميش والإقصاء والحرمان، وغياب بدائل مساعدة في بناء شخصية متوازنة، من قبيل إحداث فضاءات سوسيو ثقافية وملاعب رياضية تفسح لهم مجال تنمية مهاراتهم وصقل مواهبهم وتفجير قدراتهم الإبداعية، يضطرون أمام حماسة المراهقة إلى محاولة إثبات الذات والتمرد على أنفسهم وأسرهم والمجتمع. فلا سبيل لإنقاذ تلامذتنا إلا بتكاثف جهود الجميع من أسرة ومربين وأجهزة الأمن ووسائل الإعلام وغيرها، لمكافحة آفة المخدرات المدمرة.

مجموع المشاهدات: 8326 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (9 تعليق)

1 | محمد
السؤال المطروح بالنسبة لصاحب المقال لماذا هذا الربط بين المخدرات والتلاميذ؟ وكأن هذه المسألة خاصة بهم فقط في حين أن المسألة والظاهرة أكبر وأعقد وأوسع بكثير من مما نتصوره..فالمخدرات ظاهرة اجتماعية وعالمية تخترق كل المجتمعات ووجب ايجاد مقاربات متعددة المستويات والابعاد تتدخل فيها كل الفئات والمعنيين بالأمر لما تشكله المخدرات من تهديد وخطر فرديا واجتماعيا واقتصادية....
مقبول مرفوض
1
2019/11/10 - 04:58
2 | عباس فريد
المخدرات
تفشي المخدرات بين الشباب سببه مخطط رهيب لتدمير التعليم ومستقبل الشباب المثقف هذا المخطط يدخل أفي اطار مخطط شامل لتسلط والتحكم !! تدمير الشباب من اجل التحكم في مستقبل البلد
مقبول مرفوض
0
2019/11/10 - 05:02
3 |
كاين عقل كاينة تربية كاين ضمير كاين لتيعيش تحت عتبة الفقر وممبليش لانه انسان واع اما شباب اليوم وشبات اليوم اخذوا الشيء السلبي من الاجيال لسبقاتهم وتركو صلاتهم وتركو الرياضة وتبعو أصدقاء السوء إلى الهاوية ، مراهقة البلية وعدم الاهتمام بالاشياء الجدية أين الأسرة أين التوجيه أين التاطير النفسي والمعنى قبل المادي؟؟؟؟؟ والسلام عليكم..
مقبول مرفوض
0
2019/11/10 - 05:08
4 | سعيد
لسبب وحيد الام غير مؤهلة لتربية والاب غير مؤهل لزواج والكل يرمي الى المدرسة
مقبول مرفوض
1
2019/11/10 - 05:39
5 | سمو
مشتو والو مزال غدي تقرقبو الولدين والاساتدةوووومن في الارض جميعا
مقبول مرفوض
0
2019/11/10 - 07:02
6 | Tanger
Morroco
الجواب بكل بساطة. لأن الشباب المغربي أو الجيل الجديد اغتصب بالكامل الشعب ضاع إن لله وإنا إليه راجعون
مقبول مرفوض
0
2019/11/10 - 07:51
7 | عبد الله
ملتمس مستعجل إلى السيد وزير التربية
على الوزارة أن تصدر قرارا وزاريا يمنع تدخين الأساتذة داخل المؤسسات منعًا باتّا . أنا كأستاذ أقولها لأن ما يلاحظ أن بعض الأساتذة يدخنون خلال الفترات البينية داخل الحصص و خلال الاستراحة أمام مرأى و مسمع التلاميذ، و بذلك يعطون القدوة السيئة و المشينة في التدخين للتلاميذ
مقبول مرفوض
0
2019/11/10 - 11:04
8 | الحقيقةالمغربية
اول امس بالخميسات على ساعة 8:30 ليلا كان تدخول امني على مقهى للأمير من طراف رئيس دائرة تانية والعناصر التي تشتغل معه ومؤزرة من طراف الامن العمومي.تم عتقال اشخاص يستهلكون شيشا والسكر وتم حجز كل مافي المقهى من شيشا
مقبول مرفوض
0
2019/11/10 - 11:35
9 | Fatima
المخدرات
في بدابة التمانينات كنت ادرس بأولى ثانوي وقد لاحظت وجود طالب لا يستطيع التجاوب أو التتبع داخل القسم وكان من عادتي اشراك جميع التلاميذ في الدرس لأتأكد من فهمهم وقد ووضعت سوءالا على تلميذ فبدا مرتبكا فأجابني الطلبة وهم يضحكون بانه تناول الحشيش فانتظرت نهاية الدرس و فتحت معه حوارا مطولا فأجابني بان والديه منفصلين وهو يعيش أزمة نفسية خانقة فواسيته وطلبت منه الابتعاد عن المخدرات وأولويته عنايةخاصة داخل الفصل و بمساعدة زملاءه نجح بتفوق في نهاية السنة و كنا في القسم نشعره بدعمنا وتشجيعنا خاصة وإنني كنت اولي نفس العناية للجميع و يكون الدرس عبارة عن اكتشاف وبناء من طرف الكل . أظن بان دور المدرس يمكن ان يكون مصيري بالنسبة للتلاميذ دون إغفال دور الأسرة بطبيعة الجال ولا ننسى المقولة المعروفة أبواه يهودانه أو ينصرانه مع ان الآباء يظنون انهم قاموا بكامل ما يجب عليهم عندما يوءدون مصاريف الساعات الخصوصية
مقبول مرفوض
0
2019/11/10 - 02:38
المجموع: 9 | عرض: 1 - 9

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة