الرئيسية | أقلام حرة | المذهبية التومرتية

المذهبية التومرتية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
المذهبية التومرتية
 

 

اتجه الكثير من النقاد والباحثين إلى تصنيف  ابن تومرت ضمن زمرة الأشاعرة، وأقدم رأي في هذا الباب ما ذهب إليه عبد الواحد المراكشي  عندما أكد أن ابن تومرت كان يسير على طريق الأشعرية على الرغم من معارضة أهل المغارب أنداك الخوض في المسائل الكلامية وفي هذا الصدد يقول " وكان جل مايدعو إليه ابن تومرت علم الاعتقادعلى طريق الأشعرية ، وكان أهل المغرب ....ينافرون هذه العلوم ويعادون من ظهرت عليه شديد أمرهم  في ذلك )1. ولاغرو في ذلك فإن الرجل مكث سنين في المشرق وتأثر بأئمة الأشعرية وهذا ما يؤكده العلامة ابن خلدون بقوله"  وكان قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنة، وأخد عنهم واستحسن طريقتهم في الانتصار للعقائد السلفية ، والذب عنها بالحجج العقلية الدافعة في صدور أهل البدعة ، وذهب إلى رأيهم في تاويل المتشابه من الآي والأحاديث  بعد ان كان أهل المغرب بمعزل عن اتباعهم في التاويل والأخد برأيهم فيه اقتداء بالسلف في ترك التأويل وأصرار المتشابهات كما جاءت ، فطعن على أهل المغرب في ذلك ، وحملهم على القول بالتأويل والأخد بمذاهب الأشعية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم  ووجوب تقليدهم "2

يستشف من هذه النصوص رفض أهل المغرب الخوض في مسائل علم الكلام زمن ابن تومرت وذلك  راجع لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية نجملها في :

-بساطة المغاربة وابتعادهم عن التعقيد كأهل الحجاز؛

-إن علم الكلام يعتمد على التأويل والإكثار من الجدال ، والذهنية المغربية لا تحتمل ذلك

-اتباع المذهب المالكي  الذي يستلهم النقل  ويبتعد عن التأويل والقياس والمنطق، وقد  لقي رواجا شعبيا وصادف هوى في نفوس المغاربة. لموافقته مزاجهم

إذا كان إصرار المجتمع المغربي بكل أطيافه على اتباع المذهب المالكي ونفورهم  من المذاهب الكلامية التي تعتمد التأويل والجدال والحجاج فإن ابن تومرت أصر  بدوره على الأخد بمذاهب الأشعرية في بعض العقائد وموافقة مذهب أبي الحسن الأشعري فيفي جل المسائل.

إن تصنيف  ابن تومرت ضمن مذهب الشاعرة كما سبقت  الإشارة لا يخفي مجموعة من الحقائق حول هذه الشخصية التي كانت مثار جدال ونقاش كبيرين في الساحة الثقافية والفكرية العربيةو ومازالت إلى حد الآن تثير كثيرا من التساؤلات مفادها أن الرجل كان يمزج بين العقائد المختلفة في أفق التأسيس لمذهب ترقيعي انتقائي ؛ فإلى جانب تبنيه للمذهب الأشعري حاول استدعاء مجموعة من الأفكار والعناصر  بعضها مستوحاة من الفكر الإعتزالي في تقديمهم للعقل على حساب النقل ، في محاولة منه لمواجهة فقهاء الدولة المرابطية أصحاب التوجه السني. وأخد برأي الرافضة في مسألة الإمامة، وتأثر بالمذهب الشيعي  فيما يتعلق بالإيمان بالغيبيات وربط الإمامة بالعصمة والمهدوية كما تأثر بالخوارج في الخروج على الحاكم وسل السيف إذا خالف الشرع.وقد وظف هذه الأفكار بما يلائم  توجهاته ويخدم أهدافه السياسية.
ولكي نتبين حقيقة العقيدة التومرتية فلا بد من استنطاق أرائه في بعض القضايا الكلامية منها :

*القدرة الالهية: أقر ابن تومرت أن قدرة الله غير متناهية لأن متعلقاتها من المقدورات لا تتناهى، واستدل الرجل في إثباته لقدرة لله بقوله " سبحان من شهدت له الدلالات  والآيات بأنه لا تتناهى له المقدورات"3 وهذا  الطرح يتماشى مع ماذهب إليه أبو الحسن الأشعري  بقوله" لا مقدور إلا الله سبحانه عليه قادر"4..فقدرة الله غير متناهية ولا يحدها حد على الإطلاق، فكل فعل اضطراريا أو اختياريا فالله خالقه،  ويكاد ينعقد الإجماع بين  جميع الأئمة في هذه المسألة ما عاد أئمة المعتزلة الذين يرون أن مقدورات الله تفنى في اليوم الآخر.

* الرؤية: يقر ابن تومرت بالرؤية  بشرط عدم التأويل أو التشبيه أو التجسيم أو التكييف  فالله عز وجل " يرى من غير تشبيه  ولا تكييف، لا تدركه الأبصار بمعنى النهاية والإحاطة  والانفصال"5. فالرؤية هنا منزهة عن كل ماهو حسي لأن الله عز وجل لا يتخصص في الذهن، ولا يتمثل في العين، ولا يتصور في الوهم، وهو بهذا يوافق الأشعري  الذي أجاز رؤية الله في الآخرة عقلا، وأوجبها سمعا والمصحح لها هو الوجود والباني موجود فيصح أن يرى. مستدلا  على ذلك بقصة موسى في قوله تعالى" ربي أنظر إليك " وجواب الله تعالى " لن تراني" 6  و جوابه عز وجل دليل الجواز.

ويوافق ابن تومرت  رأي الإمام الغزالي  الذي سبق أن لاقاه في الشام وأخد عنه رأيه حيث أشار إلى أن الإنسان سيرى الله أو يشاهده ، بعد أن يزكى ويصفى بأنواع التصفية والتنقية.

ويخالف  ابن تومرت رأي المعتزلة الذين نفوا الرؤية مستدلين بذلك على أدلة عقلية وأخرى نقلية من ذلك قوله تعالى" لا تدركه الأبصار" وقوله تعالى لموسى  " لن تراني " لأن إثبات الرؤيا في نظرهم  معناه إثبات أن لله جهة ووجه ويد و عينين ومكان  وهذا لا يجوز في حق الله تعالى.

* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:استغل ابن تومرت تردي  الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والدينية وهيمنة القضاة والفقهاء على الحياة العامة،والتعاطي للمجون والخمر بكل من فاس ومراكش في آخر الدولة المرابطية، ليرفع شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متبنيا رأي المالكية في هذه المسألة. ولم يحد عن الشروط التي ينبغي توفرها في الآمر والناهي كما حددها فقهاء المالكية:

·       العلم بما يأمر به الشرع وبما ينهي عنه؛

·       ألا يؤدي تغيير المنكر إلى ارتكاب ماهو أشنع منه؛

·       صلاح نية القائم بفعل الأمر والنهي لقوله ( ص) " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى"

وظف ابن تومرت هذا المبدأ توظيفا سياسيا يروم به التدخل في شؤون الدولة المرابطية بغية تغيير الأوضاع السائدة في المجتمع المرابطي  الذي تفشت فيه البدع  والمجون والاختلاط.

إن سيادة مثل هذه الظواهر في نظره تستوجب استعمال العنف في حق  الفاسقين والثورة على الحكام الذيين  فشلوا في القيام بواجبهم؛ ويبدو أن الرجل قد تأثر بالفكرالثوري الإعتزالي ذلك أن" المعتزلة قالوا إذا كنا جماعة وكان الغالب عندنا أننا نكفي مخالفين عقدنا للإمام، ونهضنا فقتلنا السلطان وأنزلناه وأخدنا الناس بالانقياد لقولنا ....وأوجب على الناس الخروج عن السلطان على الإمكان والقدرة إذا أمكنهم ذلك ، وقدروا عليه" 7

*الإمامة:  تعتبر الإمامة عند ابن تومرت ركن من أركان الدين فهي بذلك أصل من الأصول وليست فرع من الفروع، متبنيا رأي الإمامية  الإثني عشرية الذين يرون في الإمامة " أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها  ويجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوة"8 مخالفا بذلك رأي الأشاعرة الذين اعتبروها فرض كفاية كالجهاد والقضاء. كما وافق الرافضة والشيعة في الربط بين الإمامةو العصمة والمهدوية فالإيمان " بالمهدي واجب وإن من شك فيه كافر إنه معصوم فيما دعا إليه من الحق لا يجوز عليه الخطأ فيه وإنه لا يكابر ولا يضادج ولا يدافع ولا يعاند ولا يخالف ولا ينازع." 9

إن توظيف ابن تومرت لمسألة الإمامة كان بهذف إعطاء نوع من المصداقية والمشروعية  لإمامته التي أعلنها للناس لتنقاذ الأمة وراء الإمام المخلص الذي بطاعته تستقيم الحياة وتصان الشريعة وتحفظ العقيدة ويسود الرخاء ويعم السلام فلا بد من التسليم للإمام لأن مكانته من الكون مكانة العمود من البيت إذا زال العمود هوى السقف،إن مثل هذه الأفكار بلا شك تمهد لظهور الإمام المهدي الذي سيخلص الدين من البدع ويخلص الناس من الظلم  وإن الإمام المقصود بكل بساطة هو ابن تومرت الذي يقدم نفسه للعالم على  أنه المهدي المنتظر.

نستنتج مما سبق أن ابن تومرت:

×    وظف الديني لأجل السياسي بهذف إضفاء  المشروعيةعلى توجهه المذهبي؛

×    جمعه بين الأفكار المذهبية المختلفة والمتناقضة (أشعرية وشيعية و اعتزالية ومفاهيم فلسفية واثني عشرية ورافضية.....) ومحاولة صهرها في بوتقة واحدة ليخدم توجهه المذهبي/السياسي؛

×    لم يكن متعصبا لمذهب من المذاهب ؛ فقد انتصر للأشعرية في بعض القضايا الكلامية‘ وانتصر للمعتزلة في قضايا أخرى،واقتبس أراء الظاهرية ، ولم يدخل غمار الصراع بين أهل السنة والمعتزلة بل رام الجمع  والانتقاء بما يتوافق مع مذهبه العقدي .

1-المعجب ص270)

2- العبر ج6ص 466.

3-"أعز ما يطلب ص7

4-" الأشعري مقالات الإسلاميين ج2ص 228

5-"أعز ما يطلب ص221

6-" الأعراف الآية 143

7-" أبو الحسن الأشعري مقالات الاسلاميين.

8-" عقائد الإمامية رضا المظفر ص 65 

9- "أعز ما يطلب ص 257

 

 

مجموع المشاهدات: 2995 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة