أخبارنا المغربية- عبد الإله بوسحابة
لقد أثبتت كرة القدم الحديثة أن نجاح أي منتخب لا يعتمد فقط على جودة الأسماء، بل على التوازن بين الأدوار المختلفة للاعبين، وقدرتهم على تنفيذ عدة مهام داخل الملعب. المنتخب المغربي، بعد بداية متذبذبة في أداءه خلال أمم إفريقيا الحالية، بدأ يظهر تحولًا واضحًا بعد سلسلة من التغييرات التي أجراها الناخب الوطني وليد الركراكي. هذا التحول لم يكن مجرد تعديل تكتيكي، بل استجابة مباشرة لنبض الجماهير ولتحليل دقيق لأداء اللاعبين في وسط الملعب، الذي يعتبر القلب النابض للفريق الوطني.
وارتباطا بالموضوع، شدّد عدد كبير من المتابعين على أنه قبل التغييرات التي أجراها الركراكي يوم الإثنين، بعد ضغط كبير من الجماهير المغربية، كان وجود "سفيان أمرابط" في محور الارتكاز يشكل عبئًا على الأداء الجماعي للمنتخب. اللاعب، رغم قدرته الكبيرة على الاحتفاظ بالكرة وتمريرها لمسافات طويلة، أثقل وسط الملعب وقيّد حركة لاعبي العمق مثل أوناحي وديّاز. تحركاته المكثفة أبطأت عمليات الانتقال السريع، وقلّصت قدرة الفريق على شن هجمات مرتدة فعالة، كما أن تحركاته في العمق لم تتوافق دائمًا مع التوازن الدفاعي المطلوب. الجماهير لاحظت أن الاعتماد على أمرابط جعل أسود الأطلس أبطأ، وقلل من استغلال المساحات في العمق، ما انعكس سلبًا على الأداء الهجومي والدفاعي للفريق.
في المقابل، يرى كثير من المحللين أن الاعتماد على "نايل العناوي" في محور الارتكاز كان الخيار الأكثر فعالية لتحقيق التوازن المطلوب في وسط الملعب. العناوي، لاعب متعدد الخصائص، يجمع بين القدرة على الدفاع واسترجاع الكرة بسرعة، وتمريرها بدقة للاعبين القادرين على التحرك في العمق. هذا التغيير منح الفريق حرية أكبر في التحرك، وحرر أوناحي وديّاز لاستغلال المساحات المتاحة أمامهما، ما ساهم في تعزيز سرعة الهجمات المرتدة وتنويع الخيارات الهجومية.
كما أسهم إدراج إسماعيل الصيباري في مركزه المفضل، والدفع بالزلزولي على الرواق الأيسر، في خلق دينامية هجومية جديدة، وفتح المجال أمام لاعبي العمق لتقديم أفضل أداء ممكن، ما أسفر عن تسجيل ثلاثة أهداف في مباراة زامبيا الأخيرة.
ومن خلال تحليل الأداء قبل وبعد التغييرات، يمكن ملاحظة الفارق الواضح في ديناميكية الفريق. قبل التعديلات، كان المغرب يعتمد بشكل كبير على لاعب يقوم بدور واحد في الملعب، مما حدّ من خياراته التكتيكية وسرعة التحولات بين الدفاع والهجوم. بعد التغييرات، أصبح الفريق يعتمد على لاعبين متعددين الخصائص، قادرين على أداء أكثر من وظيفة في الملعب، مما ساعد على تحسين توزيع الكرة، وزيادة سرعة المرتدات، وضمان التوازن الدفاعي والهجومي في الوقت ذاته.
وعلى ضوء ما سلف ذكره، يشير عدد من المهتمين إلى أن هذا التغيير لم يقتصر على الجانب الفني، بل له بعد نفسي أيضًا، إذ ساعد اللاعبين على استعادة الثقة من خلال التحرك بحرية دون قيود، ورفع مستوى التفاهم بين لاعبي الوسط والهجوم. الجماهير المغربية، التي طالبت منذ البداية بتغييرات واضحة في التشكيلة وأسلوب اللعب، شعرت بالرضا بعد مشاهدة الفريق يقدم أداءً أكثر سرعة وتنظيمًا، مع تحركات متناسقة بين لاعبي العمق والأجنحة.
اليوم، الركراكي مطالب بالاستمرار في هذا النهج، مع التركيز على مصالح المنتخب الوطني أولًا، وتفادي الانصياع للعاطفة أو الأسماء الكبيرة على حساب الأداء الجماعي. النسخة الحالية من أمم إفريقيا تعد الأصعب خلال آخر 15 عامًا، والمغرب بدأ يجد طريقه الصحيح نحو المنافسة بقوة بعد درس مهم في فهم طبيعة اللاعبين ومتطلبات اللعب الحديث. هذا التحول ليس مجرد تعديل تكتيكي، بل رسالة واضحة لكل الفرق والمنتخبات: كرة القدم اليوم تعتمد على التنوع، المرونة، والقدرة على التكيف السريع، وليس فقط على المهارات الفردية المحدودة.
