الرئيسية | سياسة | هل من المعقول أن يستمر تعدد أجور وتعويضات المسؤولين وبحجمها المرتفع والبلاد في أزمة؟

هل من المعقول أن يستمر تعدد أجور وتعويضات المسؤولين وبحجمها المرتفع والبلاد في أزمة؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل من المعقول أن يستمر تعدد أجور وتعويضات المسؤولين وبحجمها المرتفع والبلاد في أزمة؟
 

بقلم : محمد إنفي

يعاني المغرب، كما هو معلوم، مثله مثل باقي دول العالم، من الآثار السلبية لفيروس كورونا المستجد (كوبيد 19). فإلى جانب الآثار الصحية والنفسية، فللجائحة تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة. فالقطاعات الإنتاجية والخدماتية ببلادنا تأثرت كثيرا، وانعكس ذلك على الوضع الاقتصادي والاجتماعي بشكل كبير (ارتفاع الهشاشة الاجتماعية بفعل ارتفاع البطالة وانحصار مصادر الدخل). 

وللجائحة تأثير كبير على مداخيل الدولة من الضرائب وغيرها. وبالضرورة أن يشكل ذلك اتساعا للهوة، في الميزانية العامة، بين المداخيل والمصاريف. ونعلم جميعا أن المديونية الخارجية للمغرب (دون الحديث عن المديونية الداخلية) قد تفاقمت لدرجة قد تشكل تهديدا للقرار السيادي لبلادنا. ومن عاشوا أو عايشوا مآسي التقويم الهيكلي الذي فُرض على المغرب خلال الثمانينيات من القرن الماضي، لا شك أنهم يضعون أيديهم على قلوبهم، اليوم، مخافة تكرار التجربة. 

في مشروع ميزانية 2021، تم إدراج بعض الإجراءات بهدف تقليص النفقات؛ لكن ذلك يبقى، في نظري المتواضع، محدودا جدا. فالوضعية تتطلب الاجتهاد أكثر وتتطلب التضحية ببعض الامتيازات التي تعتبر، في ظل الوضعية الحالية، ليس فقط تبذيرا وهدارا للمال العام؛ بل وأيضا ريعا وإسرافا وسفها... 

وإذا كانت الوطنية تتطلب التضحية، فإنه ليس من الوطنية في شيء ولا من العدل في شيء أن تُطلب التضحيات من الطبقة المتوسطة ومن الفئات الهشة، ويستمر أصحاب الأجور المنتفخة وأصحاب التعويضات السمينة والمتعددة في التمتع بهذه الامتيازات، والبلاد تغرق في الديون وتئن تحت وطأة الأزمة الطارئة؛ خاصة وأننا بلد نام ومحدود الدخل؛ فمن السفه والعته، إذن، أن يستمر التعامل مع المال العام بنفس العقلية ونفس النظرة. فالوضعية تتطلب ترشيد النفقات والقطع مع "السخاء" الغير مقبول منطقيا وواقعيا في بعض الأجور والتعويضات. 

لمواجهة الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا وتحضيرا للشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي المنتظر، أعلن جلالة الملك محمد السادس، في خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان (9 أكتوبر 2020)، عن خطة للإقلاع الاقتصادي، أرفقها بخارطة طريق لتحقيق مشروع مجتمعي ضخم وغير مسبوق يهدف إلى النهوض بالمجال الاجتماعي من خلال تقوية الحماية الاجتماعية؛ وذلك بالعمل على تعميم التغطية الصحية لجميع المغاربة، تعميم التعويضات العائلية لفائدة الأطفال الذين هم في سن الدراسة، توسيع الانخراط في نظام التقاعد لفائدة المواطنين الذين لا يستفيدون من معاش، وهم يمارسون عملا يتقاضون عليه أجرا، تعميم الاستفادة من التأمين على فقدان الشغل للذين يتوفرون على عمل قار... 

وقد حدد الملك محمد السادس مراحل إنجاز هذا المشروع المجتمعي والاجتماعي الهام والكبير؛ وحدد لكل مرحلة سقفها الزمني؛ وأطولها تمتد لخمس سنوات كحد أقصى. 

واقتناعا من الملك بأن "نجاح أي خطة أو مشروع، مهما كانت أهدافه، يبقى رهينا باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة وربط بالمسؤولية بالمحاسبة" (كل الجمل والعبارات الموضوعة بين مزدوجتين، في هذا المقال، فهي مأخوذة من خطاب جلالة الملك)، فقد شدد على أن مؤسسات الدولة والمقاولات والمؤسسات العمومية يجب أن تعطي المثال في هذا المجال، "وأن تكون رافعة للتنمية وليس عائقا لها". ولذلك، جدد الدعوة للقيام بمراجعة جوهرية لهذه المؤسسات. كما دعا الحكومة إلى "القيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين، في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية على الانخراط في الوظيفة العمومية، وجعلها أكثر جاذبية". 

هذا المقال المتواضع لا يقدم قراءة للخطاب الملكي القوي والعميق، ولا يزعم تقديم قراءة للأوضاع العامة ببلادنا، وإنما يغتنمها فرصة لإعادة طرح سؤال نهب المال العام باسم القانون. وهو سؤال يشغل بال صاحب المقال؛ بل ويؤرقه. 

واعتمادا على ما جاء في الخطاب الملكي حول الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، فإني أتساءل: هل ليس من الحكامة الجيدة أن تراعى وضعية البلاد في تدبير الامتيازات التي يتمتع بها البض؟ وهل ليس من الحكامة الجيدة أن يراعى العدل والإنصاف في الأجور والتعويضات؟ أليس من الحكامة الجيدة وضع حد لتعدد الأجور والتعويضات؟ أليس من الحكامة الجيدة أن يتناسب الأجر مع النجاعة والفعالية والمردودية؟...فكم من أموال تهدر بسبب غياب الحكامة الجيدة !!! 

ثم أليس من صميم ربط المسؤولية بالمحاسبة أن يتم تقييم مدى الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة وترتيب الجزاءات؟ وهل ليس من الإخلال بالمسؤولية عدم احترام الجهاز التنفيذي للمؤسسات الدستورية؟ على سبيل المثال: إهمال تقارير المجلس الأعلى للحسابات بدل تقديمها للسلطة القضائية المختصة. وهل ربط المسؤولية بالحاسبة لا يتطلب تقييم مردودية الموظف السامي الذي يتلقى راتبا أكثر من محترم؟... ففي غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة يصبح المنصب مجرد ترقية اجتماعية في إطار المحسوبية والزبونية... 

خلاصة القول، حماية المال العام يجب أن تعتبر، دائما، من أوجب الواجبات؛ لكن، في المرحلة الراهنة التي من أسبقياتها خطة إنعاش الاقتصاد، كما جاء في الخطاب الملكي، يصبح الحرص على مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، من الآليات الناجعة ليس في حماية المال العام فقط؛ بل وأيضا في تنزيل المشروع الملكي (خطة الإقلاع الاقتصادي والنهوض بالمجال الاجتماعي) على أرض الواقع. 

لكن، ما لم يتم القطع مع سياسة الريع، وما لم تتضافر الجهود لمحاربة كل أشكال الفساد، بما في ذلك الفساد الانتخابي والرشوة والمحسوبية ونهب المال العام، فإن الأهداف النبيلة التي أعلن عنها ملك البلاد قد تجد عرقلة في التفعيل والتنفيذ من قبل المستفيدين من الوضع القائم. وهنا، يبرز دور الإرادات الوطنية الخيرة التي تجعل المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة ومصلحة الوطن فوق كل اعتبار. فعلى هذه الإرادات، حيثما وجدت، أن تشمر على ساعد الجد لتحقيق الأهداف من الخطة التي أعلن عنها رئيس الدولة، الملك محمد السادس. "فالمسؤولية، كما قال، مشتركة، والنجاح إما أن يكون جماعيا، لصالح الوطن والمواطنين، أو لا يكون". ومن لا يتجاوز تفكيره المصالح الضيقة (شخصية كانت أو فئوية)، لن يستوعب مثل هذا الكلام.

مجموع المشاهدات: 5144 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (5 تعليق)

1 | مواطن غيور
المعقول
تحليل معقول ومنطقي ولكن لا حياة لمن تنادي المسؤولون كيعرفوا غي الشفوي وصعيب تحيد ليهم البزيزيلة والكراسي التقشف كيطبقوه على الطبقة المتوسطة والكادحة اللي مولفة التقشف اما ناس برعني ما خلاقوش لتقشف ههه.
مقبول مرفوض
5
2020/10/18 - 11:19
2 | منصفة
تعدد الاجور والتعويضات
راه عيب وعار على الدولة تمر مرور الكرام على هد الموضوع لازم اعادة النظر فالقوانين اللتي تعطي حق تعدد الاجور والتعويضات السمينة اللتي تتقل كاهل الدولة وتعطي الامتيازات لفئة معينة وحرمان فئة اخرى من العمل. الاجر والتعويض نعطي متال موظف اصبح برلماني تم وزير كيتقضى اجر على الموظف والبرلماني والوزير وزيد مناصب اخرى كتضاف ليه مع التعويضات السمينة اللي كيتقضاها على كل مهمة وعاد الامتيازات السيارات الخدم السكن ووووووراه حرام فحرام فحرام هدشي مكاينش فشي دولة فرد عندو 4.و5 و6 المناصب.والشباب قراو حتى حفاو وملقينش الخدمة لازم يتوضع حد لهد الامور
مقبول مرفوض
8
2020/10/18 - 11:42
3 | مواطن
متتبع
اين شعارات الاحزاب المتمثلة في محاربة الفساد والقطع مع الريع والمؤذونيات وتعدد المناصب والتعويضات؟؟ اتضح الحق وسلم الكل بان كل الاحزاب تقول مالاتفعل وانه ليس بين القنافذ املس...
مقبول مرفوض
5
2020/10/19 - 12:11
4 | فاطمة
حكومة الصناديق
الموظفين داءما يقتطع من اجورهم ،هذا لصندوق التقاعد عذا لصندوق كورونا ...واخيرا الاقتطاع المزمع للموظف الذي يتقاضى 10000درهم بالله عليكم هل هذا المبلغ في الوقت الراهن يلبي كل الاحتياجات الخاصة بهذه الفءة من الموظفين في ظل الزيادات المتكررة للمواد الاساسية والكراء او قرض السكن وتمدرس الابناء ومساعدة الوالدين والدواء ... في حين الوزراء والبرلمانيين والمسوولون الكبار يتقاضون اكثر من 10000 درهم بل اجور سميكة وضخمة ولا يقتطع منها. والله انه بلدالتناقضات اقتطعوا اجوركم ايهاالمسوولين ودعواالموظفين المتوسطين في حالهم فانهم مقتطعون ومذمرون من الغلاء
مقبول مرفوض
2
2020/10/19 - 10:57
5 | مواطن
بروباغاندا إعلامية
في الجانب المظلم لما تطرحونه،سيصبح العمل السياسي و البرلماني حكرا على من هم في غنى عن عذه التعويضات،بمعنى آخر كيف تنتظر من أصحاب رؤوس الأموال من البرلمانيين أن يدافعوا عن حق المواطن المهضوم؟فتعويضات البرلمانيين ليست إلا شجرة تخفي غابة من الفساد و الصفقات ذات الأرقام الفلكية.أسيدي غير خلي ليهم التعويضات لي عارفين على الاقلل شحال هي ولكن زير معاهم في الصفقات التي تأكل أموال الدولة كما تأكل النار الحطب. خليونا من الزوبعة الاعلامية و عطيونا إلى كاين شي معقول،و نورو الرأي العام بالتحليل العميق و باراكا من السطحية الموجهة.
مقبول مرفوض
1
2020/10/19 - 03:10
المجموع: 5 | عرض: 1 - 5

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة