الرئيسية | سياسة | "البوليساريو" وقعت في الفخ الذي نصبه لها المغرب وتحولات جوهرية كبرى دخلتها قضية الصحراء المغربية

"البوليساريو" وقعت في الفخ الذي نصبه لها المغرب وتحولات جوهرية كبرى دخلتها قضية الصحراء المغربية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"البوليساريو" وقعت في الفخ الذي نصبه لها المغرب وتحولات جوهرية كبرى دخلتها قضية الصحراء المغربية
 

بقلم : بلال التليدي

التطورات الأخيرة في ملف النزاع حول الصحراء، تشير إلى تغير جوهري في موازين القوى لصالح المغرب، بل تؤكد بأن الأمور تسير في اتجاه تغيير قواعد الاشتباك، وأن المغرب يتجه فعليا، وربما بدعم موريتاني، إلى إخراج الطريق الرابط بين الكركرات وموريتانيا بالمطلق من دائرة المناطق العازلة.

البعض يركز على تكتيكات المغرب لإيقاع جبهة البوليساريو في الفخ، ومن ثمة، إقناع المجتمع الدولي، بل وإقناع موريتانيا أولا، أن تأمين حركة المسافرين والسلع، فضلا عن مصلحة موريتانيا القومية، باتت مرتبطة بتأمين المغرب لمعبر الكركرات، وإشرافه الكامل على الطريق الرابط بينه وبين الحدود الموريتانية.

والحقيقة أن هذا التحليل وجيه، فجبهة البوليساريو ارتكبت خطأ كبيرا، حينما اعتقدت أن عرقلة حركة التجارة والمسافرين من هذا المعبر، وتعريض الأمن الغذائي الموريتاني للخطر، يمكن أن يقنع المجتمع الدولي، وموريتانيا، بأن مصالح التجارة الدولية، والأمن الغذائي الموريتاني، باتا مرتهنين بجبهة البوليساريو. ولذلك، أثمرت سياسة ضبط النفس المغربية، المشفوعة بالتوجه إلى المجتمع الدولي، ومخاطبة الأمين العام الأممي للقيام بدوره، وخلقت الحجة للتحرك العسكري المحدود في الزمن والهدف، بل اكتسبت تأييدا غير مسبوق من قبل الدول العربية والغربية، وارتياحا كبيرا من طرف موريتانيا، ولم تصدر أي إدانة أو استنكار للتدخل العسكري المغربي، بل على العكس من ذلك تماما، فقد كسب المغرب دبلوماسيا، بازدياد وتيرة التمثيلية الدبلوماسية في المناطق الجنوبية.

الحيثيات التفصيلية، تؤكد صحة هذا التحليل ووجاهته، لكن، ما يغيب عنه هو الأبعاد الاستراتيجية والسياسية في الصراع، بل الأبعاد الجيوستراتيجية، وأيضا تحولات السياسة الدولية.

ينبغي أن نستحضر متغيرين اثنين، ساعدا المغرب في التعامل مع الحدث ببعد نظر استراتيجي. أولهما، الأزمة المزدوجة التي تمر منها الجزائر: أزمة السياسة، وأزمة الاقتصاد. فالجزائر لا تعيش سياسيا على إيقاع البحث عن خيار لإخماد حراك الشارع وتداعياته فقط، وإنما تعيش أزمة أخرى أكبر. فكل المسار الذي قامت به، من أجل إخماد الحراك، والذي أثمر العملية الانتخابية، ثم اختيار الشخصية السياسية التي تحافظ على التوازنات بين نخب الحكم السياسية والعسكرية، عاد كله إلى نقطة الصفر، بسبب المصير الصحي المجهول لرئيس الجمهورية، وأنه بدلا من أن يتم ترتيب الوضع السياسي بعد أزمة التعديلات الدستورية، سيتم إعادة اللعبة من أولها. أما على واجهة الاقتصاد، فالأزمة تأخذ بعدين اثنين، أزمة انخفاض فاتورة الغاز والبترول، وما تكبده الاقتصاد الجزائري من خسائر ثقيلة، ثم تحويل إسبانيا وجهتها عن الغاز الجزائري، واتجاهها إلى سوق الغاز الأمريكي الأرخص. وهو الوضع الذي أضعف الجزائر اقتصاديا، وسياسيا أيضا، إذ خف وزنها في علاقتها بالاتحاد الأوروبي، وبدأت تفقد القدرة على منافسة المغرب في التسلح، وتضطر إلى تخفيض فاتورة الدعم لجبهة البوليساريو، أو على الأقل، تضعف عندها القدرة لإسناد الخيار الأسوأ في إدارة الصراع حول الصحراء.

على أن الأمر، في جانب تغير الأبعاد الاستراتيجية في الصراع، لا يتوقف على الجزائر، الدولة الحاضنة لجبهة البوليساريو، وإنما يشمل الديناميات الداخلية في الجبهة نفسها، إذ وصل الصراع بين أجنحتها حدا صار معه من المتعذر الحديث عن التماسك الداخلي، لاسيما بعد نقص الدعم المالي الجزائري، الذي كان يوظف لتقوية التحالفات الداعمة للنخب المتنفذة في جبهة البوليساريو.

التقييم، أن البوليساريو تعيش حالة من الانقسام الشديد، الذي أوصلها إلى الأفق المسدود، أو أفق اليأس ومحدودية الخيارات، ولذلك، انتهج المغرب سياسة ضبط النفس معها، وأخذت هذه السياسة مدى طويلا، قرابة شهر، تحمل فيها المغرب خسائر كبيرة، من أجل أن يخلق الشرط الذي به تتغير قواعد الاشتباك.

دليل هذا التغير، هو سياسية الهروب إلى الأمام التي انتهجتها الجبهة، معلنة التحلل من الاتفاق الأمني والعسكري، وما يعنيه ذلك من دق طبول الحرب، وهي تدرك أنها غير مستعدة بالمرة لهذا الخيار، بل تدرك أن المغرب ينتظر أن تقع في فخه.

وإذا كانت الأبعاد الاستراتيجية والسياسية، صبت في اتجاه المغرب، فإن الجغرافية السياسية، هي الأخرى كانت في صالحه، لأن الصراع هذه المرة، يتم في منطقة، تبتعد كلية عن الجزائر، وتحددها بشكل أساسي، العلاقات المغربية الموريتانية.

المغرب استثمر بذكاء المتغيرات التي حصلت زمن التدبير الدولي لجائحة كورونا، واستثمر أيضا المتغيرات السياسية، فالمعادلة السياسية تغيرت في موريتانيا، وقيادتها السياسية، لم تعد تتحمل الاستمرار في سياسة الحياد إلى الحد الذي يضر بالمصالح القومية، لاسيما وأن سلوك البوليساريو في منطقة الكركرات، كاد أن يعرض الاستقرار السياسي والاجتماعي للاهتزاز، وهو ما دفع بموريتانيا إلى الانعطاف للموقف المغربي، وتبني مفهوم جديد للحياد، يدخل الجغرافية السياسية والمصلحة القومية ضمن اعتباراته، أي لا حياد في المنطقة التي تعتبر شريان الحياة والغذاء والتجارة، والتي تحكمها الحدود المغربية الموريتانية.

البعد الآخر الذي تم استثماره، هو تحولات السياسة الدولية، وبروز قناعة للمغرب من خلال مشاهداته لعدد من التطورات، أن المجتمع الدولي، لم يعد قادرا على الاستثمار في مناطق النزاع، لا حلا ولا توسطا ولا توظيفا، فما وقع في شرق المتوسط، وفي ليبيا، وفي ناغورني كاراباخ، يعزز القناعة، بأن النزاعات الإقليمية بدأت تأخذ مسارا أخرى من الحل، يعتمد على الحوار السياسي بين الأطراف المعنية، أو القوة العسكرية، أو التموقع الاستراتيجي القوي.

دليل ذلك أن الأمين العام للأمم المتحدة، لم يفعل شيئا بعد سيل من التظلمات المغربية من عرقلة البوليساريو لحركة السلع الدولية في معبر الكركرات، وأصبح أشبه ما يكون بصندوق بريد، يستمع إلى الأطراف دون أن تكون له القدرة على التصرف.

 

دليل ذلك أيضا، أن أمريكا انشغلت بصراعها الانتخابي، وتحصين نموذجها الديمقراطي، وهي في عز هذا الانشغال تمضي في تقليص سياستها الانسحابية في العديد من المناطق، كما أن القوى التي كانت تتمدد إقليميا (المحور الإماراتي السعودي المصري) أضحت مقتنعة أن هزيمة ترامب، الداعم لفوضاها في المنطقة، تعني الحاجة لتغيير سياستها ونزوعها الإقليمي، ولذلك، اضطرت الإمارات أن تغير بشكل مفصلي موقفها من الصحراء، فاتخذت قرار إحداث تمثيلية دبلوماسية لها في المناطق الجنوبية. كل الاعتبارات الاستراتيجية والسياسية والجيوستراتيجية، فضلا عن تحولات السياسة الدولية، تصب في صالح المغرب، والراجح أن الإعلان عن مشروع ميناء كبير في الداخلة، وبناء مسجد في الكركرات، وتسريع عملية تزفيت الطريق الرابط بينها وبين موريتانيا، يعني انطلاق مسار الإعمار في المنطقة، وتحويلها على منصة استراتيجية لعبور السلع والبضائع الدولية إلى إفريقيا.

عن القدس العربي

مجموع المشاهدات: 42449 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (9 تعليق)

1 | متابع
للتوضيح
ما جرى يتبت أن دولة يسيرها سياسيين متمرسين من الصعب هزمها من طرف دولة داخل ثكنة عسكرية تفكر بمنطق الحرب الباردة و الجنرالات. الخطط ترسم على امد قريب متوسط و بعيد. أما العسكر فيفكر بمنطق العضلات و عدد الدبابات و لا يطيق التفكير بمنطق الصبر اليوم لكسب ارباح اسبوع. فهنيئا لنا بالتفكير الرصين و هنيئا لهم بالبروباكندا الفارغة
مقبول مرفوض
16
2020/11/27 - 03:17
2 | مراقب
للأسف
أتألم كثيرا عندما أشاهد جزاءيريين مغتربين و منفيين لا يحق لهم الدخول إلى الجزاءر وهم يحلمون بجزاءر تتوافق مع طموحاتهم. في المغرب لا تجد مواطنين منفيين أو ممنوعين قطعا من الدخول فقط بعض العناصر متابعون قضاءيا يجب أن يدافعوا عن أنفسهم كالمس بالمقدسات: الوطن و الملك و هم فءة تعد على رؤوس الاصابع.
مقبول مرفوض
11
2020/11/27 - 04:43
3 | عبد المجيد
من المناطق الجنوبية
مقال جميل و ملخص لما حدت وما يحدت وماتعيشه البوليزاريو وصنيعتها الجزائر من تخبط وعزلة دولية حتا الامارات منعت عليهم التأشيرة إضافتها لكسب دول جديدة في امريكا اللاتينية عشتم عاش المغرب
مقبول مرفوض
12
2020/11/27 - 05:53
4 | مواطن
هرمنا.
جبهة العار الشيوعية تحتضر، وهي الأن تحت التنفس الاصطناعي، الماء والشطابة الى مزبلة التاريخ.
مقبول مرفوض
10
2020/11/27 - 06:23
5 | ولد هبهوبة
انتهت اللعبة القذرة
ما خططت له الجزائر منذ السبعينات من القرن الماضي باء بالفشل؛ جل دول العالم اكتشف أن البوليساريو صنيعة الجزائر ٠
مقبول مرفوض
10
2020/11/27 - 07:14
6 | hamid france
الجیش
أری ان قضیۃ الصحراے المغربیۃ یجب ان تبقی فی ید الجیش المغربی وابعاذ الاحزاب السیاسیۃ الفاشلۃ من قضیۃ وطننا لان بعض الاحزاب بذأت تتاجر بها وأكبر متاجرۃ هی الترخیص لانفصالی الذاخل الذین یعتبرون أخطر من بولیزریو تنذوف وهم متابۃ قنبلۃ موقوتۃ تنتضر ساعۃ الصفر یجب حل هذه المنضمات الخاٸنۃ فی أقرب وقت وتشجیع العواٸل المغربیۃ العیش والاستقرار فی الصحراٸ باعطاٸهم قطع ارضیۃ مجانیۃ لكل المغاربه شریطۃ الستقرار
مقبول مرفوض
0
2020/11/27 - 07:51
7 | شعبي
تعقيب
البولوزاريو الاصليون كلهم ماتو هاٶلاء الجيل التاني ه هم جزايريون ليسو بولوزاريون لان الجزاير هي مسقة راسهم كلهم عندهم عقد الازدياد في تيندوف
مقبول مرفوض
0
2020/11/27 - 09:18
8 | سعيد
الرباط
يجب ارجاع المناطق العازله حتى نسيطر على ساحه الميدان
مقبول مرفوض
0
2020/11/28 - 12:53
9 | يوسف بن تاشفين
انتهى الكلام
لا يمكن للمغرب ان يضيف إلى مسلسل المفاوضات نصف قرن آخر من الزمن. كفى من لعبة المفاوضات . انتهى كل شيئ. لا عودة للجلوس مع قطاع الطرق ولا تفاوض على مغربية الصحراء ولا وجود لمنطقة عازلة بعد وقف إطلاق النار من طرف البوليزاريو. المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها. انتهى الكلام.
مقبول مرفوض
0
2020/11/29 - 02:42
المجموع: 9 | عرض: 1 - 9

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة