أخبارنا المغربية – عبد الإله بوسحابة
تعيش الساحة السياسية المغربية منذ أسابيع لحظة نقاش واسع حول مشروع القانون الانتخابي الجديد المرتبط بترشيحات الشباب المستقل في الاستحقاقات المقبلة، وهو مشروع وُصف في بدايته بأنه محاولة لفتح نافذة جديدة أمام فئة ظلت لسنوات تطالب بفرص فعلية في المشاركة السياسية، بعيداً عن البوابات الحزبية الكلاسيكية.
القانون، كما قدّمته الحكومة، جاء بمجموعة من الشروط: ألا يتجاوز سن المترشح 35 سنة، تجميع 200 توقيع من ناخبين مسجلين بالدائرة، احترام تمثيلية نسائية بـ30 إلى 50 بالمائة حسب طبيعة اللائحة، واعتماد ترتيب بالتناوب بين الجنسين. كما ينص على إمكانية استفادة اللوائح الشبابية من دعم عمومي قد يصل إلى 75٪ من نفقات الحملة، وهو ما قُدم كآلية لتخفيف العبء المالي وخلق منافسة عادلة.
غير أن هذا المشروع، الذي كان يُفترض أن يكون خطوة لتعزيز المشاركة السياسية للشباب، أثار موجة من الغضب والجدل الواسع بمجرد أن ظهرت صيغة تشترط حصول اللوائح على نسبة خمسة بالمائة من عدد المسجلين في الدائرة الانتخابية (عوض عدد الأصوات المعبر عنها) لضمان الترشح أو الانتفاع بالدعم، وهو شرط رأى فيه العديد من الفاعلين أنه تعجيزي أكثر مما هو إصلاحي. هنا تحديداً ظهر صوت البرلمانية "نبيلة منيب" وزميلها "محمد ملال"، اللذين عبّرا بوضوح عن مخاوفهما من أن يتحول القانون إلى آلية إقصاء جديدة بدل أن يكون جسراً نحو تجديد النخبة السياسية.
من جانبها، انتقدت البرلمانية "نبيلة منيب" عن الحزب الإشتراكي الموحد، عبر تصريح خاص لـ"أخبارنا" بشدة هذا الشرط، بل واعتبرته حاجزاً غير منطقي أمام شباب لا يملك شبكات النفوذ التقليدية ولا القوة اللوجستية للأحزاب الكبرى، وفق تعبيرها. بالنسبة لها، الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يقوم على قيود عالية تمنع الشباب من الولوج، بل على فتح الباب أمام كفاءات جديدة تحمل مشاريع واضحة وهمّاً عاماً صادقاً.
وذكَّرت "منيب" أيضا بأن من وقّعوا على وثيقة الاستقلال لم يكن عمرهم آنذاك يتجاوز 27 أو 28 سنة، وأن بناء المغرب تم على أكتاف شباب صغار السن لكن كبار في الطموح، لتتسأل عقب ذلك قائلة: لماذا اليوم يتم التعامل مع شباب هذا الجيل وكأنهم غير مؤهلين ليكونوا جزءاً من القرار السياسي؟
أما زميلها "محمد ملال"، عن حزب الاتحاد الاشتراكي، فيرى أن أي مبادرة لتشجيع الترشيحات المستقلة يجب أن تكون واقعية وغير مبنية على شروط تجعل المشاركة شبه مستحيلة، مشيرا إلى أن القانون في صورته الحالية قد يتحول إلى عملية إفراغ للفكرة من مضمونها، لأنه لا يمكن أن نطالب شاباً مستقلاً بتجميع نسبة مرتفعة من الأصوات في سياق انتخابي تنافسي تُسيطر عليه آليات حزبية راسخة، بينما هو ما يزال يبدأ خطواته الأولى.
وعموما، فسواء تعلق الأمر بـ"منيب" أو حتى زميلها "ملال"، فإن مسألة دعم الشباب لا يجب أن تكون مجرد شعار، بل ممارسة حقيقية على الأرض تعطي فرصاً للمبادرات الصادقة وتعيد الثقة في العملية السياسية.
الانتقادات التي طالت القانون لم تقف عند حدود البرلمان، بل امتدت إلى نقاش عمومي واسع، حيث اعتبر كثيرون أن الشروط المتعددة المفروضة – من التوقيعات إلى التمثيلية إلى سقف الزمن والموارد – تجعل من الصعب على الشباب المستقلين دخول سباق انتخابي حقيقي، ما يهدد بتحويل المبادرة إلى مجرد إجراء تجميلي لن يغيّر شيئاً من عمق الأزمة السياسية المتعلقة بانعدام ثقة المواطن في المؤسسات.
ورغم ذلك، يبقى المشروع لحظة اختبار للمنظومة الانتخابية برمتها. فنجاحه أو فشله لن يُقاس فقط بنصوصه، بل بمدى قدرة الشباب على تنظيم أنفسهم، بناء مشاريع واقعية موجهة لاحتياجات الناس، واستعمال أدوات العصر مثل الإعلام الرقمي للتواصل مع جمهور واسع. كما أن مصداقية الإصلاح ستتوقف على شفافية الدعم المالي، مراقبة الحملات، وضمان بيئة تسمح بالمنافسة العادلة بعيداً عن شراء الذمم أو سطوة المال أو النفوذ.
اليوم، المغرب أمام منعطف مهم. النص القانوني سيكون مهماً، دون شك، لكن الأهم هو روح الإصلاح التي يفترض أن ترافقه، وقدرة الفاعلين – شباباً وأحزاباً ومؤسسات – على تحويل هذه اللحظة إلى فرصة حقيقية لبناء مشهد سياسي جديد يعطي مساحة لمن يحمل مشروعاً، وليس فقط لمن يملك المال أو الشبكات. وإذا استطاعت هذه التجربة أن تنجح في إدماج طاقات شابة مستقلة فعلاً، فقد تكون خطوة أولى نحو ترجمة الإرادة الشعبية إلى سيادة شعبية حقيقية، كما جاء في النقاش الدائر اليوم بقوة.
