أخبارنا المغربية - عبد الإله بوسحابة
أوضح الخبير في الشؤون الجيوسياسية الدكتور "عبد الهادي مزراري"، في تصريح خاص لموقع "أخبارنا"، أن التحديثات الأخيرة التي أدخلتها منصة "إكس" سمحت لأول مرة بكشف المواقع الجغرافية للحسابات التي تقود حملات عدائية ممنهجة ضد المغرب، وهو ما أدى إلى سقوط القناع عن آلاف الحسابات الوهمية التي ظلت لسنوات تشن هجمات منظمة وموجهة سياسياً، مشيرا إلى أنه بمجرد ظهور المعطيات التقنية الجديدة، اختفت تلك الحسابات بشكل شبه كامل، في خطوة اعتبرها "مزراري" دليلاً قاطعاً على أنها كانت أدوات مأجورة تتحرك من خارج المغرب، خصوصاً من الجزائر وقطر.
وارتباطا بالموضوع، أشار "مزراري" أن مجموعة المعطيات الدقيقة أظهرت وجود ما بين أربعين ألفاً ومائة ألف حساب ومنصة إلكترونية كانت تشتغل على مدار الساعة لتشويه صورة المغرب وضرب استقراره، قبل أن يُظهر تحديث "إكس" أن الجزء الأكبر منها ينطلق من الأراضي الجزائرية، وهو أمر ليس مفاجئاً بحكم توجّه النظام الجزائري المعروف بعدائه للمغرب. غير أن المفاجأة الحقيقية، كما قال المتحدث، كانت في كون جزء مهم من هذه الشبكات يعمل انطلاقاً من دولة قطر، وهو ما أثار، حسب تعبيره، استغراب الرأي العام المغربي والباحثين والأكاديميين، لأن الدوحة ليست في وضع طبيعي يجعلها طرفاً في أي حملة عدائية ضد المغرب.
في سياق متصل، أكد "مزراري" أن العودة إلى التاريخ القريب تُظهر بوضوح أن المغرب كان من أوائل الدول التي بادرت إلى الوقوف إلى جانب قطر خلال أزمتها مع أشقائها في الخليج سنة 2017، حيث أرسل مساعدات غذائية عبر طائراته الوطنية، وقام الملك محمد السادس بزيارة خاصة للدوحة حملت رسائل إنسانية وحضارية وسياسية واضحة. ولذلك اعتبر "مزراري" أن ما ظهر اليوم من دلائل حول استخدام الأراضي القطرية لاستهداف المغرب "لا يمكن تفسيره إلا باعتباره ردّاً للجميل بأقل ما يقال عنه إنه يفتقر للأخلاق السياسية".
واستدرك ضيف "أخبارنا" قائلاً إنه لا يتهم القيادة القطرية بشكل مباشر بأنها هي من أمرت بهذه الحملات، لكنه يشدد على أنها تتحمل جزءاً من المسؤولية لأنها سمحت—بوعي أو بدونه—لأطراف مقيمة على أرضها، أغلبها عناصر مرتبطة بالاستخبارات الجزائرية، بالعمل بحرية على إطلاق حملات ممنهجة تستهدف دولة صديقة. ويضيف أن قطر، التي تقدم نفسها منذ سنوات باعتبارها "عاصمة الإعلام العربي" وصاحبة الصوت الحر، لا يمكنها أن تتنصل من مسؤوليتها اليوم وتدعي أنها عاجزة عن مراقبة ما يجري على أراضيها، خاصة وأن الآلة الإعلامية التي أنشأتها عبر شبكة "الجزيرة" لم تكن يوماً بمنأى عن التوظيف السياسي.
كما أشار "مزراري" أيضا إلى أن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: لماذا هذا الصمت القطري المطبق رغم انكشاف الشبكات التي كانت تتحرك من داخل أراضيها ضد المغرب؟ وهل من المنطقي أن تظل الدوحة دون موقف واضح أمام دلائل تقنية منشورة أمام الجميع؟ ويضيف أن قطر إن لم تكن متورطة بشكل مباشر، فهي على الأقل مشاركة بالصمت، لأن الاعتراض أو التوضيح أو التحقيق لم يُعلن عنه حتى الآن، رغم خطورة ما ظهر.
وذهب "مزراري" إلى أبعد من ذلك، موضحاً أن النفوذ الجزائري داخل بعض المؤسسات الإعلامية القطرية ليس أمراً جديداً، وأن هناك اختراقاً واضحاً تم عبره توظيف بعض المنابر—وفي مقدمتها قناة الجزيرة—لترويج خطاب معادٍ للمغرب بطريقة منهجية، في الوقت الذي تغض فيه هذه المنابر الطرف عن كل ما يتعلق بالجزائر مهما كانت الأحداث جسيمة. واعتبر أن هذا الاختراق لم يتوقف عند حدود الخط التحريري، بل امتد إلى مضايقة إعلاميين مغاربة داخل القناة مثل الصحفي "عبد الصمد ناصر" الذي واجه ضغوطاً كبيرة بسبب دفاعه عن المغرب، قبل أن يجبر على الرحيل.
ويرى "مزراري" أن الجزائر وجّهت على مدى سنوات آلة إعلامية واستخباراتية كاملة لضرب المغرب، مستعملةً كل الوسائل الممكنة، من شبكات الذباب الإلكتروني إلى النفوذ داخل بعض القنوات الإقليمية. ومع أن انكشاف المواقع الجغرافية للحسابات على "إكس" بين بشكل واضح هذا التنسيق، إلا أنه—برأيه—ليس إلا جزءاً صغيراً من منظومة أكبر تشتغل منذ أكثر من عقد.
ورغم كل ما حدث، يشدد "مزراري" على أن المغرب حافظ على هدوئه وثباته الدبلوماسي، ولم ينجرّ يوماً إلى تبادل الحملات أو السجالات الإعلامية، لأن الدبلوماسية المغربية—حسب قوله—تشتغل بمنطق الدولة وبعقلانية استراتيجية، ولا تبني مواقفها على ردود الفعل اللحظية، بل على ثوابت واستمرارية نادراً ما تتوفر في دول المنطقة.
وختم "مزراري" حديثه لـ"أخبارنا" بالقول إن ما جرى بعد تحديث منصة "إكس" ليس مجرد تفاصيل تقنية، بل لحظة مفصلية كشفت حقيقة الأطراف التي كانت تعمل في الخفاء لضرب المغرب، مؤكداً أنه على قطر اليوم أن تقدّم توضيحات صريحة، لأنها إن كانت غير متورطة فعلاً، فمن غير المفهوم أن تظل صامتة أمام وثائق ودلائل تؤكد أن أراضيها استخدمت لضرب بلد وقف معها في أصعب لحظاتها التاريخية.

حسن
اللهم ابعدعنا كيد الكائدين
اللهم اجعل كيدهم في نحورهم. شعارنا الله الوطن الملك.