أخبارنا المغربية- عبد الإله بوسحابة
تحت عنوان "استراتيجية الأمن القومي الأمريكي: إفريقيا تبرز كفاعل عالمي"، نشرَت صحيفة "Geopolitical Monitor"مقالًا تحليليًا معمقًا للخبير المغربي في الشؤون الجيوستراتيجية والأمنية، الدكتور "الشرقاوي الروداني"، تناول فيه التحول الجذري الذي تعرفه العقيدة الاستراتيجية للولايات المتحدة، كما تجسده استراتيجية الأمن القومي لسنة 2025، مبرزًا الانتقال الواضح لإفريقيا من هامش الجغرافيا السياسية إلى قلب التوازنات الجيو-اقتصادية العالمية.
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، كما يوضح الدكتور "الروداني"، تعكس إدراكًا متزايدًا داخل دوائر القرار في واشنطن بأن القوة في القرن الحادي والعشرين لم تعد تُقاس فقط بحجم الترسانة العسكرية، بل بمدى التحكم في التدفقات الاستراتيجية، من سلاسل الإمداد والممرات البحرية إلى المعادن الحيوية والبنيات الرقمية. وفي هذا السياق، يرى ذات المتحدث أنه لم تعد إفريقيا تُقدَّم كفضاء تابع أو هامشي، بل كأحد المراكز الحيوية لإعادة تشكيل ميزان القوة العالمي.
في هذا الصدد، يؤكد الخبير المغربي أن القارة الإفريقية أضحت ركيزة أساسية في الجيو-اقتصاد العالمي، بالنظر إلى تمركزها غير المسبوق للمعادن الاستراتيجية، مشيرا إلى أن الكونغو الديمقراطية على سبيل الذكر، تهيمن على إنتاج الكوبالت، وغينيا تحتضن أكبر احتياطي عالمي من البوكسيت، فيما تضم دول إفريقية عدة مخزونًا وازنًا من المعادن النادرة، إضافة إلى سيطرتها على نسب مهمة من احتياطات المنغنيز والغرافيت، وهي مواد تشكل العمود الفقري للتحول الطاقي والصناعات التكنولوجية المتقدمة.
وبحسب "الشرقاوي" دائما، لا تتوقف أهمية إفريقيا عند حدود الثروة المعدنية، بل تتعزز عبر تحولها إلى فضاء محوري في جغرافية الربط العالمي. فالقارة يضيف ذات المتحدث تشهد تسارعًا كبيرًا في بناء الموانئ العميقة، والممرات البرية العابرة للحدود، والكابلات الرقمية العابرة للقارات، إلى جانب مشاريع الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر. وهي تحولات تعيد رسم خريطة التجارة الدولية، وتحوّل إفريقيا إلى عقدة مركزية في شبكات الاتصال والعبور الاستراتيجي.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير المغربي أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لسنة 2025 تضع مسألة تأمين سلاسل التوريد وحماية الممرات الحيوية ضمن أولوياتها العليا، ما يجعل إفريقيا شريكًا لا غنى عنه في الرؤية الأمريكية الجديدة. غير أن الدكتور "الروداني" ينبه إلى أن هذا الاعتراف، رغم أهميته السياسية، يظل غير كافٍ إذا لم يُترجم إلى التزامات عملية ملموسة على مستوى التمويل، ونقل التكنولوجيا، ودعم البنيات التحتية الاستراتيجية.
ويرى الخبير المغربي أن أي شراكة أمريكية–إفريقية ذات مصداقية تقتضي مراجعة أدوات التمويل الأمريكية، وتسريع الاستثمار في مشاريع الموانئ والممرات والطاقات، وتقديم ضمانات سيادية حقيقية، إضافة إلى تمكين إفريقيا من تجاوز دورها التقليدي كمُصدّر للمواد الخام، والانتقال نحو موقع الفاعل الصناعي داخل سلاسل القيمة العالمية.
كما يشدد التحليل على أن إفريقيا لم تعد تقبل بأن تكون ساحة صراع بالوكالة بين القوى الكبرى، بل تتجه نحو سيادة عملية قائمة على تنويع الشراكات ورفض منطق الاصطفاف، وبناء موقع مستقل داخل النظام الدولي. ويتجلى ذلك في السياسات الجديدة التي تقيد تصدير المعادن غير المصنعة، وفي الطموح إلى تطوير صناعات تحويلية محلية، خاصة في مجالات البطاريات والطاقات النظيفة.
ويخلص الدكتور الشرقاوي الروداني إلى أن التقاطع القائم بين الرؤية الإفريقية الجديدة ومنطق استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لسنة 2025 يفتح أفقًا لإعادة بناء العلاقة بين الطرفين على أسس الندية والشراكة المتوازنة، مؤكدًا أن إفريقيا لا تبحث عن الحماية، بل عن الاعتراف بها كشريك سيادي يساهم في صياغة النظام العالمي الجديد، لا كطرف هامشي داخله.
