الرئيسية | قضايا المجتمع | أزمة الماء بالمغرب.. هل الحكومة محقة في قرار منع أنشطة غسل السيارات؟

أزمة الماء بالمغرب.. هل الحكومة محقة في قرار منع أنشطة غسل السيارات؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أزمة الماء بالمغرب.. هل الحكومة محقة في قرار منع أنشطة غسل السيارات؟
 

بقلم: إسماعيل الحلوتي

بموازاة مع المعركة التي تخوضها بلادنا ضد الحرائق التي دمرت آلاف الهكتارات من الغابات، تجري معركة أخرى من قبل سلطات الأقاليم والمدن حول ترشيد استهلاك الماء ومنع تبذيره في غسل السيارات والعربات وسقي المساحات الخضراء، تنفيذا لما تضمنته مراسلة لوزارة الداخلية وتفاديا لما قد تعرفه عديد المدن والمناطق من أزمة مائية خلال الشهور المقبلة، بفعل تراجع حقينة السدود والفرشة المائية إلى جانب الجفاف الناتج عن ندرة التساقطات المطرية في السنوات الأخيرة وبالأخص هذه السنة، حيث تم الشروع في إغلاق محلات غسل السيارات التي تبالغ في استعمال الماء الشروب.

      ويأتي قرار إغلاق محلات غسل السيارات ومنع سقي المساحات الخضراء، في إطار التصدي لكافة مظاهر الإسراف في استعمال المياه الصالحة للشرب عبر جميع ربوع المملكة، احتراما للتدابير التي اتخذتها السلطات لمواجهة معضلة الجفاف وأزمة قلة المياه، حيث أضحت بلادنا تعاني أكثر من أي وقت مضى من وضعية مائية جد مقلقة ومخيفة، وتتمثل في التراجع الكبير لحقينة السدود والأحواض المائية، والاستنزاف الخطير الذي تعرفه الفرشة المائية. وقد شدد الولاة والعمال على ضرورة ترشيد استعمال هذه المادة الحيوية في الري مع الاعتماد على مياه الآبار في سقي الساحات الخضراء، وحث رؤساء المقاطعات والسلطات المحلية على إلزام أصحاب محلات غسل السيارات باستعمال مياه الآبار أو إغلاق محلاتهم تجنبا لسوء استغلال مياه الشرب.

       بيد أن قرار الإغلاق لا يشمل جميع محلات غسل السيارات والعربات كما يدعي البعض، حيث أنه وقبل إقدام الجهات المسؤولة على هذا الإجراء، وجهت تنبيهات لأصحابها انطلاقا من قيمة فواتير استهلاك الماء خلال الشهور الأخيرة، التي أظهرت أن البعض يستهلك الماء الشروب بإفراط شديد، في حين أبقت على المحلات التي تعتمد على مياه الآبار مفتوحة في وجه زبائنها ومواصلة نشاطها التجاري.

        وهي الحملة التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط الشعبية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وتضاربت الآراء حول الإجراءات المتخذة من قبل السلطات العمومية التي نزلت على رؤوس البعض كالصاعقة. فإلى جانب أولئك الذين اعتبروها خطوة إيجابية، وأنها رغم كونها جاءت متأخرة نوعا ما، تعد مسعى ضروريا من أجل الحفاظ على الماء في مثل هذا الظرف الصعب، باعتباره ثروة وطنية أساسية، وأنه بدونها لا يمكن للحياة أن تستمر، وفي ذلك قال سبحانه وتعالى "وجعلنا من الماء كل شيء حي" (سورة الأنبياء، الآية: 30)

      هناك في المقابل من رأى فيها اعتداء على البسطاء من الذين ليس لهم من مورد رزق آخر عدا غسل السيارات في تلك المحلات التي يتقاسم معهم الأرباح واجب كرائها، عوض لجوء السلطات إلى علية القوم، حيث يستنزف سقي ملاعب الغولف وحدائق فيلاتهم ومسابحهم الخاصة آلاف المترات المكعبة من المياه الصالحة للشرب، ناهيكم عما تستهلكه الضيعات الفلاحية وغيرها. ويرى بعض الخبراء أن الجفاف استقر بالمغرب منذ سنة 2018، دون أن تقوم الدولة بما تقتضي الضرورة من احتياطات، وأن أصل المشكل الذي يتخبط فيه المغرب اليوم، هو أن هناك حوالي 87 في المائة من المورد المائي لا يخضع لأي قانون، ويتعلق الأمر بالمياه المستعملة في مجال الفلاحة.

      وهو ما يعني أن القانون رقم 95.10 كان يقنن المياه المستعملة في الفلاحة، أكثر بكثير من القانون الحالي 15.36 الذي لا يتضمن القطاعات الفلاحية. لكن المؤكد هو أنه جاء لتدارك نقائص سابقه وتحقيق حزمة من الأهداف، منها مثلا تعزيز المكتسبات، تقوية الإطار القانوني المتعلق بتثمين مياه الأمطار والمياه المستعملة، وضع إطار قانوني لتحلية مياه البحر، تقوية الإطار المؤسساتي وآليات حماية موارد المياه والمحافظة عليها، فضلا عن تحسين شروط الحماية من الظواهر القصوى المرتبطة بالتغيرات المناخية. ويرتكز كذلك على مجموعة من المبادئ الأساسية، كالملكية العامة للماء، وحق جميع المواطنات والمواطنين في الولوج إلى الماء والعيش في بيئة سليمة، وتدبير الماء طبق ممارسات الحكامة الجيدة التي تشمل المشاركة والتشاور مع مختلف الفاعلين، والتدبير المندمج واللامركزي لموارد المياه مع ترسيخ التضامن المجالي، وحماية الوسط الطبيعي وتطوير التدبير المستدام.

      فأين نحن من "شرطة المياه" التي تعتبر إطارا قانونيا لحماية ثروات المغرب المائية، ولاسيما أن الباب الحادي من ذات القانون 15.36 المتعلق بالماء أفرد حيزا هاما لتعزيز المراقبة ودعم شرطة المياه، بناء على المنظور الجديد لحكامة المياه، حيث أناط بهذه الشرطة مهام المراقبة بغرض توفير الحماية الكافية للثروة المائية الوطنية، والحفاظ عليها من أي استنزاف ممكن أو إلحاق الضرر بها. حيث تقوم هذه الشرطة حسب مقتضيات القانون بمعاينة المخالفات المرتكبة، كما لها حق ولوج المنشآت المائية بما فيها الآبار والأثقاب والتجهيزات الأخرى، وأخذ العينات وتوقيف الأشغال والحجز على الآليات والأدوات.

      إننا إذ نأسف لتواصل سياسة الحلول الترقيعية، فإننا نستاء من حالة القلق التي بدأت تستبد بنا خوفا من تفاقم أزمة الماء، في ظل غياب الرؤية الاستشرافية والحكامة الجيدة والتخطيط الجيد، علما أن المغرب انتهج سياسة السدود منذ عقود، وأن الملك محمد السادس سيرا على نهج والده الحسن الثاني طيب الله ثراه، لم ينفك يدعو إلى الحفاظ على ثرواتنا الوطنية، مما يقتضي تكثيف جهود الجميع نحو الحد من الاستهتار بالثروة المائية الوطنية والحرص الشديد على ترشيد استهلاكها، حتى نتمكن من توفير المياه العذبة للأجيال القادمة...

 

مجموع المشاهدات: 7696 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (5 تعليق)

1 | رشيد
اقتراح فاشل
الإجراء الأول والضروري إن كانت للحكومة جرأة على اتخاده هو : إغلاق المسابح الخاصة داخل (الفلات) والإقامات الخاصة والحدائق
مقبول مرفوض
3
2022/07/30 - 11:02
2 | الماء الماء الماء
كفى مغالطات
قرار فيه ارتجالية ولماذا لا يتم اغلاق محلات غسل السيارات بالابار هل ليس تلك مياه نابعة من الفرشة ومابالك في اصحاب غسل السيارات بالاماكن العامة مثل فاديسا بالرباط التي لم يتم يوما مراقبتهم من طرف السلطة المحلية او زيارتهم ويستهلكون يوميا عشرات البراميل من الماء
مقبول مرفوض
3
2022/07/30 - 11:43
3 | س ح
نعم لترشيد استعمال المياه، لا وألف لا لاستنزاف الفرشة الماءية
ان الدولة محقة في إغلاق محلات تنظيف السيارات لاستنزافها الفرشة الماءية زد على ذلك تهور المخزون الماءي الصالح للشرب ،ناهيك عن الإزعاج الذي تخلفه استعمالات آليات الاشتغال لدى السكان المجاورين والذين يعانون في صمت .أما عن تشغيلها لليد العاملة فهذا من قبيل المزايدات الغوغاءية لا أقل ولا أكثر. إن سطلا من الماء كاف لتنظيف السيارات عوضا عن هذا الاستغلال المفرط والعشوا
مقبول مرفوض
1
2022/07/30 - 11:54
4 | هشام المغربي
لا للبطالة والتسول
بقرار الحكومة اغلاق اصحاب المحلات الذين يغسلون السيارات من مزاولة مهنتهم قد تكون ارسلت جيش من العاطلين للشارع للتسول. وماذا عن اصحاب الفيلات الذين يملؤون مسابحهم صباح مساء ولم يفضحهم سوىGPSديال gogle.
مقبول مرفوض
1
2022/07/30 - 12:13
5 | Hicham ben taieb
غريب
اولا مياه الآبار لا تصلح لغسل السيارات لأنها تضر الطلاء بسبب الكالكير . . ثانيا الاقامات و الفنادق السياحية المنتشرة تستهلك اضعاف اضعاف المعدل الطبيعي.. ثالثا الفلاحة التصديرية تستهلك الفرشة المائية بكثرة مثل الطماطم و الدلاح و الافوكا و الفريز ... رابعا الجفاف اصبح متكررا من سنة لاخرى و طبيعي ينقص الماء...
مقبول مرفوض
0
2022/07/30 - 12:29
المجموع: 5 | عرض: 1 - 5

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة