بقلم: الأستاذ بدر اعليلوش
تعيد هذه الواقعة المؤسفة إلى الواجهة نقاشا قانونيا دقيقا يتعلق بمفهوم عدم المسؤولية الجنائية للحدث غير المميز، وبالفراغ التشريعي العملي الذي ما زال قائماً في المنظومة القانونية المغربية. فالطفلة المعنية لم تتجاوز الثامنة من عمرها، أي أنها دون سن الثانية عشرة المحددة قانونًا كحد أدنى للمسؤولية الجنائية، ما يعني أن مساءلتها الجنائية تبقى منعدمة وفقا للقانون الجنائي.
غير أن خطورة الفعل المرتكب، المتمثل في إزهاق روح رضيعة داخل مؤسسة تربوية (حضانة)، تُظهر أن الاقتصار على تقرير انعدام المسؤولية دون اتخاذ تدابير واقعية للتقويم والتأهيل لا ينسجم مع فلسفة العدالة الحديثة، ولا مع التزامات المغرب الدولية في مجال حماية الطفولة.
إن غاية المشرع من عدم مساءلة الطفل جنائيًا هي الحماية لا الإفلات، وهي حماية يجب أن تُترجم إلى تدابير تربوية وعلاجية إلزامية تشرف عليها جهة قضائية مختصة، في مقدمتها قاضي الأحداث، وذلك داخل مؤسسات مؤهلة للتقييم النفسي والاجتماعي وإعادة الإدماج. فمراكز حماية الطفولة لا ينبغي أن تبقى ملاذًا مؤقتًا، بل إطارًا لتصحيح السلوك وغرس القيم الاجتماعية تحت مراقبة قضائية دقيقة.
كما أن للمسؤولية المدنية حضورًا واضحًا في هذه النازلة، لأن المؤسسة التي وقعت داخلها الجريمة تظل مسؤولة عن الإهمال في الحراسة والوقاية، وفقًا للقواعد العامة في المسؤولية التقصيرية.
إن الحاجة اليوم ملحة إلى مراجعة تشريعية تؤسس لنظام قانوني خاص بالأطفال غير المميزين الذين يرتكبون أفعالًا جسيمة، نظام يقوم على العدالة التربوية الوقائية بدل منطق العقوبة، ويوازن بين مصلحة الطفل وحق المجتمع في الأمن وحقوق الضحايا. فالمجتمع لا يمكن أن يكتفي بالإعفاء من المسؤولية دون تأهيل، لأن العدالة التي تحمي الطفولة يجب أن تكون أيضًا عدالة تُؤمن الوقاية من تكرار الفعل.
الأستاذ/ بدر اعليلوش، باحث بمركز دراسات الدكتوراه في القانون والاقتصاد والتدبير، بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان.
