الرئيسية | دولية | ما دور جنوب إفريقيا في ملف الصحراء؟

ما دور جنوب إفريقيا في ملف الصحراء؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ما دور جنوب إفريقيا في ملف الصحراء؟
 

بقلم: نزار بولحية

ما هي أكثر دولة بعد الجزائر يفرش فيها السجاد الأحمر لزعيم البوليساريو وتستقبله استقبال القادة والرؤساء؟ إنها قطعا جنوب افريقيا، التي لا تعترف فقط بالجبهة، بل تدعمها ماليا وسياسيا وربما حتى عسكريا. لكن ما الذي يجعل دولة تقع في أقصى التخوم الافريقية تصوب نظرها بعيدا جدا نحو شمال القارة السمراء، وتقدم الدعم لكيان صوري، أنشئ هناك في فترة الحرب الباردة، وبات عدد الداعمين والمؤيدين له في تراجع مستمر؟ هل يكمن السر في التزام بريتوريا الصارم بالمبادئ وتمسكها بالإرث النضالي لزعيمها التاريخي نيلسون مانديلا، بشكل يدفعها للحرص الدائم على الوقوف بقوة مع حق الشعوب في تقرير مصيرها، مثلما قد يقول البعض؟ أم أن وراء تلك الاندفاعة نحو تلك المنطقة بالذات أهدافا ومآرب أخرى؟

من الواضح أن جنوب افريقيا، وعلى عكس ما قد يتصوره البعض لا تحمل لواء الدفاع، عما تراها قضايا إنسانية عادلة من منطلق عاطفي، أو وجداني بحت، وبقطع النظر عن ارتباطاتها ومصالحها وخططها وعلاقاتها وتوجهاتها الخارجية. فحتى إن ردد قادتها كثيرا من الشعارات الثورية والحقوقية، إلا أن ذلك لا يعني انهم مستعدون للتوغل بعيدا دون دراسة مواقفهم بحرص، والتفاعل مع الشعارات التي يطلقونها، بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع ما يرسمونه ويحددونه من أهداف. لقد صفق لهم العرب طويلا، أواخر العام الماضي، ربما لأنهم قاموا وبالنيابة عنهم بما كان مفترضا بهم أن يبادروا إليه، وهو رفع قضية في محكمة العدل الدولية ضد الكيان الإسرائيلي، لارتكابه جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، لكن هل كان من الوارد أن يصفقوا لهم وبالمثل مرة أخرى، وهم يقفزون على كل موانع الجغرافيا وضوابط السياسة ويتخطونها، مقحمين أنفسهم في نزاع إقليمي مزمن لا يزال يقسم جارتين مغاربيتين، ويعيق أي جهد لاندماج وتوحيد الشمال الافريقي؟ لقد كانوا يعلمون جيدا أن فرص نجاحهم في تلك المهمة كانت محدودة جدا وضعيفة للغاية، فأطراف النزاع ليسوا متفقين على أنهم قد يمثلون الوسطاء المناسبين والمقبولين فيه، ولأجل ذلك فإن الخطوة التي أقدموا عليها من خلال دعوتهم للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالصحراء لزيارة بلدهم، للحديث حول «المقاربات الراهنة التي تتم مناقشتها حاليا»، حول مشكلة الصحراء، حسبما أكدته وزيرة خارجيتهم، كانت أشبه بالقفزة في الهواء، فهي لم تحظ لا بمباركة الأطراف ولا باجماعهم حولها، بل قوبلت برفض مطلق وصريح من جانب طرف رئيسي في النزاع هو المغرب، الذي اعتبر ـ السبت الماضي ـ وعلى لسان السفير الممثل الدائم له في الأمم المتحدة عمر هلال أنه «لن يسمح أبدا بأن يكون لجنوب افريقيا أي دور في قضية الصحراء المغربية». والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي جعل الجنوب أفارقة، يوسعون جبهة قديمة فتحوها مع المغرب، ويدخلون في صدام جديد معه، في الوقت الذي كانوا يعرفون فيه جيدا أنهم كانوا بصدد استفزازه بتحركهم؟ لعل هناك من سيلقي بالكرة في المرمى المعاكس ويقول، وما الذي جعل الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالصحراء، يرضخ بسهولة لطلبهم ويطير يوم الأربعاء الماضي، إلى بريتوريا؟ ألم يكن بمقدوره أن يعتذر عن تلبية الدعوة ويرفض تلك الزيارة التي كان من الواضح جدا أنها لم تكن طبيعية أو عادية بالمرة، خصوصا أن السلطات المغربية كانت قد عبّرت، بمجرد أن علمت ببدء الترتيب لها، كما قال عمر هلال مباشرة لديمستورا وكذلك للأمانة العامة للأمم المتحدة عن اعتراض المغرب القاطع عليها، ورفضه «أي تفاعل مع بريتوريا بشأن قضية الصحراء المغربية»؟ فهل كان هناك إذن خيط خفي ربط بين الطرفين، وجعل ديمستورا ومن ورائه المنتظم الأممي، يختار وفي هذا التوقيت بالذات جنوب افريقيا حتى يعرض عليها دورا ما، أو مهمة محددة في الخطة، أو الخطط التي قد يطرحها لاحقا لحل المشكل الصحراوي؟

على عكس كثير من الدول التي ما زالت تفضل البقاء في المنطقة الرمادية، فإن بريتوريا تقف بشكل واضح لا غبار عليه مع البوليساريو، التي أعلنت من جانب واحد ولا تعترف بها الأمم المتحدة. كما أن علاقتها الوثيقة بالجزائر باتت تنعكس باطراد على كثير من المواقف والقرارات، التي تؤكد على وجود تنسيق عال ومستمر بين الجانبين. وهذا ما يجعل من فرضية إقدام جنوب افريقيا على دعوة ديمستورا، من دون التشاور أو التخطيط المسبق مع الجزائر غير ممكنة بالمرة. لكن إن كان الجزائريون يريدون، ربما من وراء ذلك إعادة الكرة، ولو ظرفيا أو حتى شكليا إلى الملعب الافريقي، في وقت يفضل فيه المغاربة أن يتم حسم النزاع على المستوى الأممي، فإن السبب الذي قد يكون دفع الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالملف، لأن يتصل بالمسؤولين في جنوب افريقيا ربما لا يرتبط فقط بموقفهم من ذلك النزاع، بل بالأساس بعلاقاتهم بالجزائر. وبمعنى آخر فقد يكون الغرض من تلك الزيارة هو حث الجنوب أفارقة على أن يستخدموا كل نفوذهم وعلاقاتهم من أجل دفع الجزائريين للقبول بعرض، أو مقترح ما قد تقدمه الأمم المتحدة رسميا في الفترة المقبلة لحل المشكل الصحراوي. ولعل وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب افريقيا لمحت من بعيد إلى ذلك، حين أشارت في المؤتمر الصحافي الذي أعقب لقاءها بديمستورا أن «النقاش كان مفيدا وتميز بدراسة بعض المقاربات المتعلقة بالصحراء الغربية» ثم أضافت حين ألح عليها بعض الصحافيين لتقدم لهم مزيدا من المعلومات بأن «هذه أسئلة سرية» وأنها تحتاج إلى وقت لتقديم الرد على المقترحات. لكن ألم يكن ممكنا أن يتم ذلك بشكل غير علني بدلا من إظهاره للإعلام؟ من الواضح أن الحرص على إعلان الزيارة، مع توقع رد فعل غاضب عليها من المغرب، قد يصل ربما حد المطالبة بسحب الثقة من ديمستورا والدعوة لتغييره، ربما يمثل نوعا من الرهان أو التحدي الشخصي بالنسبة للدبلوماسي السويدي المخضرم، فهل أراد النزول بثقله ووضع مستقبله المهني في الميزان، والخروج من الباب الكبير، أو من خلال ملامح مشروع لحل للمشكل المزمن، أو من الباب الصغير بتحمل مرارة الانسحاب مرة أخرى من مهمته، بعد استقالته في السابق في مهمته في سوريا؟ من المؤكد أنه قد تلقى ضوءا أخضر لا من الأمين العام للأمم المتحدة فحسب، بل ربما حتى من القوى الكبرى التي يعنيها الملف الصحراوي وترغب ـ وربما لغايات مختلفة ـ في إعطاء دور ما في هذه الفترة لجنوب افريقيا في ملف تعرف جيدا أنه قد يجعلها تحقق بعضا من طموحاتها القديمة بالزعامة الافريقية. لكن هل سيكون المرور بقوة ممكنا دون موافقة الرباط؟ وهل يقدر الجنوب افارقة على إقناع الجزائريين بحل آخر غير تقرير المصير واستقلال الصحراء؟ ربما لن يكون ذلك سهلا. لكن علينا أن ننتظر لنرى كيف سيكون ردهم على ما عرض عليهم.

كاتب وصحافي من تونس

مجموع المشاهدات: 11075 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (5 تعليق)

1 | عبد الرحيم حميدة
شر البلية مايضحك
هذا الصحافي التونسي الذي يخوض في موضوع يخص المغاربة الايجد لدينا صحافة ترد عليه. الصحافي التونسي يتحدث عن امر يخص المغاربة وهو يضمر ماتقوم به جنوب افريقيا الصحافي التونسي يطبق المثل المصري :تركت زوجها ممدود وذهبت تعزي في محمود اي بالعربية تاعرابت ان الصحافي التونسي نسي ان هناك اراض مقتطعة من طرف فرنسا تسيطر عليها الجزائر ويتحدث لنا عن الصحراء المغربية من تعدى الحدود و نوريوه جدودو
مقبول مرفوض
1
2024/02/10 - 02:29
2 | Marroquino
الصحراء المغربية
دور جنوب إفريقيا مدفوع الثمن، وقبل يومين طلبوا المجاهد الأول مستر كريستوفر لعله ينقذهم فرفض الدخول مرة أخرى في هذا الملف.
مقبول مرفوض
1
2024/02/10 - 03:00
3 | متتبع
رب ضارة نافعة !
فعلا هذا الطرح قد يلامس الصواب من يدري أن اقتحام جنوب افريقيا قد يأتي ببوادر حل لا نتوقعه... لكن يبدو لي من جهة أخرى أن دور إخواننا في الجزائر قد يتقلص مع تطور الملف مستقبلا. لأن قبولها بتدخل جنوب افريقيا قد يجعلها كمبارس لهذه الأخيرة التي ستتطلع لدور محاور المغرب وبالتالي سيصبح الاثنان (المغرب وجنوب افريقيا) القطبان الرئيسيان في حلحلة هذا الوضع وملفات أخرى تهم القارة بحكم تأثير البلدين في مجالات عديدة منها الإقتصاد والدفاع عن مصالح أفريقيا مستقبلا ولو من منضور مختلف إن الجيوسياسة تفرض علينا توقع كل شيء
مقبول مرفوض
-1
2024/02/10 - 03:19
4 | مواطن مغربي بسيط
ماهذا يا هذا ???????
"...... يكمن السر في التزام بريتوريا الصارم بالمبادئ وتمسكها بالإرث النضالي لزعيمها التاريخي نيلسون مانديلا، بشكل يدفعها للحرص الدائم على الوقوف بقوة مع حق الشعوب في تقرير مصيرها،"" سؤال لايجب أن يطرح او ان يفكر فيه أصلا .جنوب افريقيا دولة متمردة تحشر انفها في شؤون لا تخصها ولا تخص النظام العسكري الجزائلرب الذي بحرضها بالمال . كل ما يشغل هذا النظام المتمرد على تاريخه هو التحرش بسيادة وامن واستقرار المغرب.
مقبول مرفوض
1
2024/02/10 - 03:32
5 | مغربي وافتخر
لا يصح الا الصحيح
اقول لحكام الجزائر وحكام جنوب افريقيا.... ما جناه معمر القذافي ستجنونه انتم ايضا... وتبقى المملكة المغرببة الشريفة شامخة من طنجة الى لگويرة باذن الله...
مقبول مرفوض
1
2024/02/10 - 03:37
المجموع: 5 | عرض: 1 - 5

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة