أخبارنا المغربية - عبد المومن حاج علي
في مفارقة لافتة، خيمت أجواء من الحزن والارتباك على احتفالات الجزائر بعيدها الوطني، ساعات قليلة بعد صدور القرار الأممي التاريخي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، إذ وبدل أن تكون المناسبة لحظة احتفاء وافتخار كما جرت العادة، تحولت إلى مشهد ثقيل الملامح، انعكست فيه خيبة القيادة الجزائرية من الهزيمة الدبلوماسية الجديدة التي مني بها مشروع الانفصال.
ولم تستطع الصفحات الجزائرية نفسها إخفاء ذلك الإحباط، إذ تداولت على نطاق واسع صورة للرئيس عبد المجيد تبون وهو يبدو شاحب الوجه، شارد النظرات، كمن يستعد للبكاء. وأرفقتها بتعليق يؤكد أن “ملامح الحزن اليوم بادية على وجه الرئيس تبون، كيف لا يحزن وهو يجد نفسه في موقف الدفاع الذي لم نتعود عليه، كيف لا والجزائر كانت دائما هي المبادرة والقوة الإقليمية الضاربة في المنطقة”، حيث ورغم محاولة التعليق التخفيف من وطأة الموقف بالإشارة إلى “ثقة الشعب في قدرة الزعيم تبون على قلب الطاولة”، إلا أن المشهد العام أوحى بأن الطاولة انقلبت فعلا، ولكن في الاتجاه المعاكس.
ومثل القرار الأممي الأخير، الذي جدد للمرة الأولى اعترافا صريحا بخطة المغرب للحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي، صدمة قوية للسلطة في الجزائر، إذ وبعد سنوات من التحركات المكثفة ومحاولات التأثير في مواقف الدول الأعضاء داخل مجلس الأمن، وجدت الدبلوماسية الجزائرية نفسها في عزلة سياسية غير مسبوقة، بعدما حسمت الدول الأعضاء موقفها بشكل واضح لصالح الطرح المغربي.
وأجمعت التحليلات الواردة في الصحافة الدولية على أن الجزائر تلقت صفعة دبلوماسية موجعة، وأنها باتت أمام واقع جديد ينهي مرحلة المناورة ويضعها في موقع المتفرج على انتصار مغربي تحقق بعمل دبلوماسي هادئ ومنهجي، وهو التحول الذي جعل القيادة الجزائرية تتعامل ببرود لافت مع احتفالاتها الوطنية، إذ غابت عنها مظاهر الثقة المعتادة، وطغت على الكلمات الرسمية عبارات فضفاضة عن “السيادة” و”المبادئ”، في محاولة لتغطية شعور داخلي بالخيبة.
ورغم الحشد الإعلامي الذي حاول إضفاء طابع القوة والاستمرارية على خطاب السلطة، فإن المشهد البصري كان أبلغ من كل التصريحات، حيث ظهرت وجوه متجهمة، نظرات متوترة، وصمت ثقيل رافق استعراضا عسكريا لم يبد فيه الحماس المعتاد، مقابل انتشار صور الاحتفالات العارمة في المدن المغربية بمواقع التواصل الاجتماعي، توثق لخروج المواطنون للاحتفاء بقرار مجلس الأمن الذي كرس التفوق الدبلوماسي للمغرب وأربك خصومه.
وبينما ترفرف الأعلام المغربية فرحا من العيون إلى طنجة، كانت ملامح الكبرانات تكشف في صمت عن مرارة الخسارة، وعن إدراك متأخر بأن مرحلة “الهيمنة الخطابية” قد انتهت، وأن لغة القوة لم تعد تجدي أمام لغة الشرعية والواقعية السياسية، ما يجعل من الأمر لحظة فارقة تختصرها تلك الصورة المتداولة لتبون، لا كرمز للقيادة، بل كشاهد على خيبة نظام ظن طويلا أن بإمكانه مواجهة التاريخ فإذا به يهزم بهدوء.
