الرئيسية | أقلام حرة | روح المسؤولية والعمل الجاد

روح المسؤولية والعمل الجاد

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
روح المسؤولية والعمل الجاد
 

إنه خطاب يختلف عن الخطابات السابقة بما للكلمة من معنى، ولكنه يلتقي مع هذه الخطابات في الغاية والهدف، وهو الحفاظ على وحدة البلاد والعباد، والدعوة إلى التضامن والتكافل لكونه جاء في مرحلة شعارها "روح المسؤولية والعمل الجاد"، أما اختلافه فهو يأتي في وقت يعرف فيه المغرب بعض التظاهرات والاحتجاجات ضد الحكومة والأحزاب السياسية اللذين يشتكيهما منظموا هذه التظاهرات إلى جلالة الملك، ويطالبون من جلالته التدخل باعتباره راعي البلاد والعباد، ورعايا جلالته سواسية بحيث جلالته هو ملجأ هؤلاء المواطنون بعد الله، ، فاللجوء إلى جلالته لا يأتي إلا بعد الإحساس بالظلم وضياع الحقوق وعدم الإنصات إلى المتظلمين وهي عادة جارية عبر تاريخ المملكة، فالمواطنون لهم ارتباط وثيق بجلالة الملك صغارا وكبارا، بحيث يلاحظ أن هذه التظاهرات بلغت حد الحراكات والمطالب سلميا بهذه الحقوق.

 

أما الغاية من تجديد لقاء الجالس على العرش، الذي لا ثقة للشعب إلا في جلالته، وجلالته يخطب أمام نواب الأمة، ما هو إلا أمر سامي و تنيبيه للحكومة، وهؤلاء النواب أولا، لما أصبح عليه الوضع، وأنه حان الوقت لكي يتحمل الكل المسؤولية من موقعه السياسي والاقتصادي، وقد عبر جلالته في هذا الخطاب بكل حدة وحزم حينما عرف هذه المرحلة بمرحلة شعارها "روح المسؤولية والعمل الجاد"، وكلمة روح تعني هنا الحزم والشدة وتشمير السواعد، وتحمل المسؤولية بكل ثقلها ووزنها والعمل الجاد في إطارها، والمقصود بالعمل الجاد هو الجد والإتقان والمواظبة والاستمرارية والتقييم الاستباقي لمواجهة الصعاب والتحلي بالصبر لأن الصبر هو مفتاح النجاح، والصبر من شيم الأخلاق الحميدة وهو كمبدأ أساسي في الحياة اليومية للإنسان كيفما كانت مهمته، لأن تحقيق الغايات والأهداف لا يمكن أن تأتي إلا من خلال الصبر، ولقد خص الله الصابرين بأجر عظيم، وهنا تحضرني التوجيهات والتدابير التي دعى إليها جلالة الملك في خطابي العرش المجيد و ذكرى 20 غشت من هذه السنة، دعى جلالته إلى التعبئة الشاملة والعمل الجماعي، أي كل مكونات المجتمع المغربي على اختلافها وتنوعها ومشاربها، عليها أن تنخرط كرجل واحد في بناء التنمية والتخلي عن الخلافات وقضاء المآرب الضيقة الشخصية، والمقصود في هذا الباب، الحكومة والبرلمان على الرغم من تركيبتها وتلويناتها، حيث أن الهدف واحد هو اللون الأبيض، كما قال جلالته الذي يلبسونه يوم عرس افتتاح السنة التشريعية من كل سنة، والمتمثل في السلهام والجلباب، بحيث قد لا يستطيع المرء أن يفرق بين هذا وذاك، لذا من الواجب على المكلفين بأمور هذا البلد الأمين تحت الرعاية السامية لجلالة الملك أن يكونوا كالرجل الواحد والفكر الواحد، بما أن الهدف واحد والغاية واحدة، أي خدمة الوطن والرفع بقيمته ومكانته بين الأمم المتقدمة، بحيث عندما تحصل النية والعمل الجاد المشترك، فالتغاضي عن الاختلاف يصبح سهلا وتنسجم العقول، لأن الأمر يتعلق بوعد واحد أعطي إلى الناخبين في الحملات الانتخابية، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بالمسؤولين إلى التنافس في الخلق والإبداع والابتكار والوفاق والتوافق على تقديم الأولويات بصوت واحد في إطار المسؤولية وشعار هذا المسؤول في الحياة الجد في العمل والإتقان فيه والصدق في التعامل والتعاون مع الآخرين.

 

لقد قال جلالة الملك في خطابه السامي، ولا بأس أن أكرر هذه المقولة والتي تحمل في طياتها مجموعة من المعاني والحكم، إن لم نقل إنها بوصلة لمعرفة المسلك الصحيح وهي:

 

و إنكم معشر البرلمانيين بصفة خاصة، في الأغلبية والمعارضة تتحملون مسؤولية ثقيلة ونبيلة، في المساهمة في دينامية الإصلاح التي تعرفها بلادنا.

 

فأنتم داخل هذه المؤسسة الموقرة، تشكلون أسرة واحدة ومتكاملة، لا فرق بينكم، مثلما يعبر عن ذلك لباسكم المغربي الموحد، رغم انتماءاتكم الحزبية والاجتماعية، فالمصلحة الوطنية واحدة، والتحديات واحدة، ويبقى الأهم هو نتيجة عملكم الجماعي.

 

وإننا حريصون على مواكبة الهيئات السياسية، وتحفيزها على تجديد أساليب عملها، بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية (انتهى كلام جلالة الملك في هذه الفقرة).

 

وحسب فهمي و إدراكي المتواضعين أن جلالة الملك يعني أننا لسنا بغافل عما تفعلون وتعملون وما لا تعملون وأننا على اطلاع كامل بما يدور ويجري داخل مؤسسات الأحزاب السياسية والقطاعات العمومية التي تديرها هذه الأحزاب السياسية، فالحلال بين والحرام بين، وما زاغ عن جادة الصواب إلا هالك، والخلاصة هنا أن جلالة الملك يتابع كل ما يدور في الساحة السياسية والاقتصادية، وهو يدري كل مجريات الأحداث وليس بغافل قيد أنملة تهم هذا الشعب الآبي العزيز الذي يحب ملكه أكثر من نفسه، لذا على المسؤولين أن يعوا بهذه الأمور أو يسعوا في صلاح البلاد والعباد، وأن يعطوا لكل صاحب حق حقه، ولا يعتبرون أنفسهم فوق القانون لأن مصلحة البلاد والعباد ورعايا جلالته فوق كل اعتبار، لهذا القول للمسؤولين كل من موقعه أن يدركوا معنى ما ورد في هذا الخطاب السامي الذي يحمل توجهات شاملة ومانعة ومنسجمة مع بعضها البعض، وهي متكاملة تتعلق بكل القطاعات المجتمعية على مختلف الأعمار والمستويات، ليس هناك ميزة فوق أخرى ولا فرق بين كبيرة وصغيرة ولا قوي ولا ضعيف، والقوي هنا هو صاحب الحق والضعيف هو السالب لهذا الحق، فالمال مال الدولة والخيرات خيرات الشعب المغربي من أدناه إلى أقصاه، وهم فيه متساوون كأسنان المشط.

 

وكما قال جلالة الملك في هذا الخطاب السامي:

 

أن التعبئة الوطنية، والعمل الجماعي يتطلبان توفر مناخ سليم، وتعزيز التضامن بين مختلف الشرائح الاجتماعية.

 

وهو ما نهدف إلى تحقيقه يقول جلالته من خلال الإصلاحات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية التي نعتمدها، من أجل تحسين ظروف العيش المشترك بين جميع المغاربة، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية.

 

وأردف جلالته قائلا:

 

فالمغرب كان وسيظل، إن شاء الله، ارض التضامن والتماسك الاجتماعي داخل الأسرة الواحدة، والحي الواحد، بل وفي المجتمع بصفة عامة. انتهى كلام جلالة الملك.

 

ونقول لجلالته، والله إنها لحقيقة ملموسة وأساسا لدى الطبقات الشعبية، والعائلات ذات الدخل المحدود، لكن مع صعوبة العيش وعقدة الحياة واحد عواملها التطور التكنولوجي، وتفكك العائلات بقساوة العيش والهجرة إلى الضفة الأخرى، والمظاهر الهدامة والعادات والتقاليد التي تستورد من الخارج، بدأت تؤثر في عقليات الشباب، وهو الأمر الذي يدعو أكثر من أي وقت آخر إلى وسائل تحسين العيش وتوفير الشغل والصحة، والسكن في إطار من التضامن والتكافل الشيء الذي من شأنه أن يجعل المرء يتمسك بالعيش داخل وطنه ويساهم بما حصل عليه من معرفة وخبرة اكتسبها سواء من خلال الدراسة أو العمل أو البحث في الرفع من مستوى الوطن، وبالتالي تتعزز الروابط وتسمو الأخلاق والقيم التي تجمع المغاربة منذ عصور خلت، حيث من شب على شيء شاب عليه، والإنسان ابن بيئته، والآسرة هي

 

الخلية الأولى المتعارف عليها في بناء مجتمع سليم من خلال تعليم نافع وصحة جيدة وقضاء عادل، وسكن لائق هذه كلها عوامل أساسية يلزم أن لا تفرط الدولة في الاهتمام بها ومسايرتها بالتدرج من تقلبات الحياة الدنيا والتغيرات السريعة والتي قد تلمس بالدرجة الأولى الشباب الذي كما ورد في خطابات صاحب الجلالة، حيث يضع دائما جلالته الشباب من أولوياته المجالية، وموازاة مع هذه العوامل التي لا مفر منها إن أردنا أن نبني مجتمع سليم ووطن قوي، أن لا نفرط في العوائد والتقاليد والروافد، بالعمل المتواصل من أجل الرقي بالإنسان الفلاح والأراضي الفلاحية والسقي والابتكار الفلاحي والتحفيز عليه، والتفكير العميق من أجل إيجاد الحلول الناجعة وأفضل السبل التي تعيد الاعتبار لهذا القطاع الأساسي الذي يمكن أن يقال هو عماد التنمية في أي بلد صناعي أو غير ذلك، ولن يتأتى هذا إلا بمواكبة التطورات السريعة التي تعرفها بعض الدول في مجال الفلاحة وتربية المواشي والحوافر والأغنام، والتعاون مع هذه الدول من أجل تبادل الخبرات المتطورة و المتجددة ولم لا حتى بناء الشركات.

 

ونجد جلالة الملك في خطابه هذا ختم بفقرة ستظل في أذهان كل الغيورين على هذا البلد الطيب، إذ قال جلالته أعز الله أمره:

 

إن الرهانات والتحديات التي تواجه بلادنا، متعددة ومتداخلة ولا تقبل الانتظارية والحسابات الضيقة، فالمغرب يجب أن يكون بلدا للفرص، لا للانتهازيين، وأي مواطن كيفما كان، ينبغي ان توفر له نفس الحظوظ لخدمة بلاده، وان يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة، من خيراته، ومن فرص النمو والارتقاء، وزاد قائلا جلالته:

 

الواقع أن المغرب يحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم، و إلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران الذات. انتهى كلام جلالة الملك.

 

ختاما لهذا التحليل المتواضع، أرجو أن ينال القبول، أقول فإن الفقرة ما قبل ختم خطاب جلالة الملك أعز الله امره، لخص فيها جلالته كل ماجاء في الخطاب السامي، وهو دليل قاطع كما قلنا سابقا وكنت اقولها دائما، فجلالته لا تخف عليه خفية وهو يعرف الصالح من الطالح والحاجات الملحة للوطن، والتي لا تستحمل التاخير في الانجاز أو تعطيل المشاريع، وإلى رجال توحيد لا رجال تفرقة، وإلى رجال صادقين ورعين نزهاء لا تغريهم اطماع الحياة الدنيا، يحافظون على المال العام وصيانته وحمايته من اللصوص والذئاب والمنافقين الذين يلبسون الحق بالباطل، المتهاونون في خدمة الصالح العام، عليهم ان يدركوا أن وقتهم انتهى وسينالون جزاءهم المادي والمعنوي والدنيوي والاخروي، وإن لم أكن مخطئا في تصوري قد يحدث زلزال سياسي أعنف من السابق، إن لم نستيقظ من سباتنا وندرك بأن هذا الخطاب ليس كسابقة من الخطابات فهو له ظرفية خاصة وقد سبقته إنذارات اخرى أخف نبرة مما جاء في هذا الخطاب السامي، وإن كان دبلوماسيا بينما يحمل في طياته اقوى التعابير وأصدق المعاني.

 

اما السؤال الذي حيرني، فهو لماذا أعضاء الحكومة والبرلمان كانوا مرتبكين وهم يهربون من رجال الصحافة؟ حاملين أكياس وعلبات من الحلوى، و كانهم علموا باليوم الأخير، أو غفلوا بأنهم بهذا التصرف أبانوا عن القيم والانفة، وكان الحلوى ستنقطع من المغرب الذي حباه الله بكل الخيرات وسخاء الاسر الفقيرة، وإن كانت لهم شهية أكل الحلوى فليهبطوا إلى الدوائر التي انتخبتهم والتي تنكروا لها منذ أن جلسوا على الكراسي الفاخرة، ويتوصلون كل رأسال شهر بحوالة سمينة التي رفعت مستواهم عن مستوى الناخبين

 

* اهبطوا تفكروا الناخبين إن لم تخافوا على انفسكم، وقد تاكلون الحلوى التي تسد جوعكم أو الحلوى التي تكسر عظامكم.

 

أقول قولي هذا، واستغفر الله لنفسي و للصالحين من أبناء هذا الوطن العزيز.

 

 

وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (ص).

مجموع المشاهدات: 1157 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة