الرئيسية | أقلام حرة | بين التبرع بالدم للمصابين و بين السطو على ممتلكاتهم.. أي الصورتين تمثلنا؟

بين التبرع بالدم للمصابين و بين السطو على ممتلكاتهم.. أي الصورتين تمثلنا؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
بين التبرع بالدم للمصابين و بين السطو على ممتلكاتهم.. أي الصورتين تمثلنا؟
 

غداة الحادث الذي عرفه المغرب بداية هذا الأسبوع و الذي كانت إحدى نقاط سكك الحديد مسرحا له، صورتان بارزتان و متناقضتان في نفس الٱن أثثتا المشهد، الأولى كانت لشباب سارعوا بشكل عفوي و في غمرة من الانفعال و التفاعل العاطفي مع الحدث إلى التوجه نحو مراكز تحاقن الدم للتبرع للمصابين في لفتة إنسانية تعكس حس التضامن لديهم، بالمقابل تشكلت الصورة الأخرى التي رافقت الحدث بشكل بارز كذلك من ما تم تداوله عن مسارعة أخرى تجاه الحادث لكن هذه المرة للحصول على بعض الغنائم عبر السطو على ممتلكات القتلى و الجرحى، و هكذا حضر الخير و الشر معا و ظهرت نوازع النفس البشرية  في أقصى مفارقاتها.

من هنا انقسمت ردود الفعل تجاه الصورتين، و الملاحظ هو أن التعليقات جاءت في الغالب مركزة على صورة دون الأخرى، فهنالك من ركز على مشهد التبرع بالدم فاحتفى به كسلوك معبر -من وجهة النظر هذه- عن معدن المغاربة الحقيقي الذي يظهر وقت الأزمات، و هنالك من ركز على صورة السطو على ممتلكات ضحايا الحادث فاعتبره معبرا عن واقع مجتمعي قاتم بلغ أعلى مراتب الجشع و انعدام الضمير.

غير أن هذين الاتجاهين في ردود الأفعال و اللذين يتسمان بالكثير من الانفعال و الاستسهال لا يقفان في الواقع على قراءة المشهد إلا بشكل سطحي، النفس البشرية كما هو المجتمع يقومان على خليط من الخير و الشر و نحن كمجتمع ينهل من ثقافة وثوقية و إطلاقية و من ثم ذات بعد واحد، تعودنا على إصدار أحكام قيمة حدية لا مكان فيها للقراءات المرنة و لا للاختيارات المتعددة الأبعاد، و من هنا تتمخض مواقفنا إما سوادا و إما بياضا، مما يجعل هذه المواقف في أغلب الأحيان تشبه ما يُرى من قطعة جليد يختفي جزؤها الأكبر تحت الماء.

طوابير التبرع بالدم للضحايا لا تعني بالضرورة أننا أناس طيبون و طوابير السطو على ممتلكات الضحايا لا تعني كذلك أننا أناس أشرار، الإحساس التضامني يمكن أن يظهر كسلوك تنفيسي بشكل مناسباتي و عابر دون أن يكون له أي وقع عميق على حسنا الإنساني، ففي الوقت الذي تمتاز فيه حياتنا اليومية بإيقاع عال من الصراع المادي المشحون، تأتي من حين إلى اخر مناسبات تذكرنا بجانبنا الروحي المنسي، و طبعا ليس هنالك ما هو خير من الموت واعظا.

 في الجانب الٱخر ما قام به البعض من سرقات في مكان الحادث لا يجب أن يصرفنا في بكائيات مغلوطة عن جدوى التغيير أو يدعونا للتنكر له كمطلب مجتمعي بدعوى ما يبرزه ذلك السلوك من غياب للحاضنة الشعبية للتغيبر، فما تم لا يمكن فصله عن المناخ السياسي و الاجتماعي العام كنتيجة لا كسبب، أي أن السلوم اللصوصي لتلك الفئة هو نتيجة لسياسات قائمة على الظلم و الاستبداد و ما يترتب عنها من جهل و تفقير و تهميش، و الحري بنا هو العمل على إقصاء الاستبداد حتى تقصى مظاهره، لا التركيز على هذه المظاهر في تحالف لاواع مع مسبباتها.

إذن و بالعودة إلى السؤال المطروح في العنوان أي الصورتين تمثلنا؟  يبدو لي الجواب هو أنهما تمثلاننا معا، نحن هؤلاء و أولئك، نحن المستغِلون لضعف بعضنا البعض إذا ما وجدنا للاستغلال سبيلا، و نحن المتعاطفون مع بعضنا البعض عند الشدائد إذا ما وجدنا للعواطف سبيلا، و في هذا و ذاك نحن لسنا سوى منتجات صنعتها ٱلة السلطة وفقا لظروف ننصاع لها ٱليا، و في الغالب الأعم لا تزيد قوة إرادتنا حيال تلك الظروف عما تمتلك الدمى المتحركة من قوة إرادة . 

مجموع المشاهدات: 590 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة