الرئيسية | أقلام حرة | الديكتاتورية على أرض القراصنة

الديكتاتورية على أرض القراصنة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الديكتاتورية على أرض القراصنة
 

لم يعد من الجيّد الوقوف عند زاوية الاستهجان الذي يتم إطلاقه نحو الديكتاتور وهو يتربع على عرشه، بل صار وجوبا تقديم القرابين له والتزلف لحاشيته عبر مدّها بما تحتاجه وما لا تحتاجه من أجل توجيه الرأي العام لجموع القراصنة، والذي يصبّ في خدمة البلاد والعباد، لأنّ التملق تحوّل إلى كفاءة بعينها، إن لم توصل صاحبها إلى أعالي القوم، حوّلته إلى كائن معصوم من الزلل والخطأ على الأقل. 

لا أحد من القراصنة يحب الديكتاتور يا قرصاني الصغير، ومع هذا تجد شعب القراصنة المستباح يتقرّب إليه، وكلّ قرصان صغيرا كان أو كبيرا يحاول أن يغذي الديكتاتور الذي يسكنه عنوة، فإن ما هو استأسد يوما ما، فإنه يصبح أكثر ديكتاتورية من كل الديكتاتوريين الذين سبقوه. 

يا قرصاني الصغير، القرصان مهما بلغ من الطيبة فإنه يبقى حاملا لديكتاتور بشع بداخله، هذا ما يفسّر تسلّط الأخ على إخوته فقط لأنه خرج من بطن أمه أولا، والصديق على صديقه لأنه كسب بعض العلامات الجيّدة في أثناء دراسته، والعسكري على المدني لأنه يضع قبعة على رأسه ويحمل سلاحا، والغني على الفقير لأنه يملك مالا أكثر منه، والرجل على زوجته فقط لأنه وجد نفسه في مجتمع ينافق الذكور علنا، والإمام على بقية المؤمنين لأنه حفظ بعض كلمات السماء أكثر من البقية، والإنسان على الإنسان لأنه صدّق وهمه فقط! 

لا عجب أن يكره القرصان أخيه القرصان، أو أن يكون أخا له على طريقة قابيل وهابيل، فكل قرصان يستأثر بمكانة اجتماعية معينة، تجده يطلق الديكتاتور الذي بداخله، مطلقا العنان لعناده، جاعلا من ذاته إله والبقية ما عليهم سوى الامتثال لأوامره، ضاربا بعرض الحائط كل القيم والقوانين، لأنه صار يرى في نفسه القانون وكل القيم، الكل في اعتقاده على خطأ ودور الديكتاتور هو تعذيب المخطئ وعقابه عبر جلده له، سواء ماديا أو روحيا، لأن طغيانه أنساه بأن من جعله وليّا على القراصنة هو القادر على إعادته إلى مكانته التي كان فيها سابقا: مجرّد قرصان تافه لا أكثر. 

عانت أوربا من الديكتاتوريات في مطلع القرن العشرين، النازية والفاشية أبرز الأمثلة، وقبل هذا، كانت تعاني ولقرون من ديكتاتورية الكنيسة بشكل رهيب، لكنها فهمت الدروس، وعادت إلى جادت الحياة، بعدما رفضت ولفظت كل ديكتاتور، لتصنع معجزات مختلفة في زمننا المعاصر عبر إقبالها على الحريات، لأنها أدركت بأنّ الديكتاتور هو جالب الدمار لنفسه ومن معه بعناده وحقده. 

عانت اليابان خلال قرون وُسِمَت بالديكتاتورية والاضطراب، حتى صار الفرد الياباني "عاصِفًا" بالفطرة والتوجه، لكنها أدركت مدى خطورة ما يولّده الديكتاتور من شرخ خطير بين طيات المجتمع، مما جعل الامبراطور ميجي يقدم على اصلاحات هائلة في كافة ميادين الحياة اليابانية، مطلقا حملة توعية واسعة، توجت بصناعة رجال اليابان الجدد، والذين أذهلوا العالم المعاصر بذكائهم وحنكتهم وأخلاقهم وسماحتهم. 

نحن نحمل صفة الديكتاتورية في أعماقنا، المعلّم يتسلّط على تلاميذه، المدير على أساتذة مدرسته، المفتش على موظفي مقاطعته، رئيس البلدية على سكان بلديته، الرئيس على من يرأسهم... الخ؛ لأننا اعتقدنا خطأ بأن الديكتاتورية ستحقق لنا القوة والفخر، وهذا المنطق بعينه ما جعل الجزائري يثور على العثمانيين سابقا، ويثور على الفرنسيين لاحقا، وسيثور على كل ديكتاتور مهما بلغ به الزمن والجبروت.. قصة سيدنا موسى مع فرعون واضحة لأصحاب الألباب. 

يا قرصاني الصغير، الديكتاتورية لا تصنع الإنسان، بل هي أنامل الخراب في الشخصية العميقة للبشر، تحمل بذور زوالهم ولو بعد حين، ألم يُرمى هتلر في نفايات التاريخ؟ ثم لحق به الكثيرون منهم العرب والعجم، متى يدرك الجزائري بأنّ الرأفة والمعاملة الحسنة والتسامح هي السبيل لصناعة ما يأبى على الزوال.. لو كنتَ فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك

 

 

مجموع المشاهدات: 468 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة