الرئيسية | أقلام حرة | حمى الانتخابات وتعديل الدستور !

حمى الانتخابات وتعديل الدستور !

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
حمى الانتخابات وتعديل الدستور !
 

تتميز الساحة السياسية ببلادنا في الآونة الأخيرة بحدثين بارزين أرخيا بظلالهما على الحياة الوطنية، وشغلا الرأي العام عن أهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط في أوحالها المواطنون، دون أن يجشم المسؤولون أنفسهم عناء اجتراح حلول ملائمة لإنقاذهم. ويتعلق الحدث الأول بالسباق "المجنون" الذي يخوضه حزبان أساسيان من الأغلبية الحكومية، طمعا في الفوز بالانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها خلال سنة 2021، حيث يراهن الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني على خزانه الانتخابي القار في الحفاظ على منصبه لولاية ثانية وثالثة للحزب، فيما يسعى غريمه رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" ووزير الفلاحة عزيز أخنوش إلى تجريب حظه في الإطاحة به. ويهم الحدث الثاني تزايد الدعوات إلى تعديل الفصل 47 من الدستور.

 

وإذا كان هدف الحملة الانتخابية المبكرة بين الحزبين السالفي الذكر واضحا ومفهوما بصرف النظر عن مخالفتها للقانون الانتخابي، وتعكس رغبة قائديهما العثماني وأخنوش في تصدر نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب، عبر تكثيف اللقاءات والتظاهرات الخطابية هنا وهناك بتأطيرهما الشخصي أو من طرف بعض الوزراء، قصد استقطاب المواطنين وإذكاء روح الحماس للمشاركة في الانتخابات وضمان أكبر عدد من أصوات الناخبين لفائدتهما، فإن المطالبة بتعديل الفصل 47 لاسيما الفقرة الأولى منه أثارت ومازالت تثير جدلا واسعا والكثير من ردود الفعل المتضاربة بين مؤيدين ورافضين، فيما اعتبرها آخرون مجرد عملية تسخينية للانتخابات على بعد حوالي عامين من موعدها.

 

فالمطالبة بتعديل الدستور أو بعض فصوله في إطار التجويد وسد الفراغات بما يرفع الغموض والالتباس ليس تطاولا على الدستور ولا بدعة، باعتبارها إجراء قانونيا يتوافق ومقتضيات أحكام الدستور ذاته، ويخضع لصلاحيات المؤسسة الملكية أو بموافقة ثلثي البرلمان أو بمبادرة رئاسة الحكومة، كما أنه تدبير مسموح به في جميع دساتير البلدان الديمقراطية في العالم، وطالما قامت به الطبقة السياسية ببلادنا في محطات سابقة، انتهت بتجاوب ملكي مع بعضها بغير أي اعتراض أو مشكل.

 

بيد أن البيجيديين لا ينظرون لمثل هذه التحركات الآتية من خارج حزبهم إلا بعين الشك والارتياب، فمنذ توليهم مسؤولية تدبير الشأن العام، وهم لا يكفون عن الترويج لخطاب المظلومية وادعاء تعرضهم الدائم لحملات التشويش التي تستهدف إفشال تجربتهم وعرقلة مسيرة الإصلاح ومحاربة الفساد... إذ بمجرد ما كشفت بعض الشخصيات السياسية من الأغلبية والمعارضة، وفي مقدمتها قادة أحزاب الاتحاد الاشتراكي والأحرار والاستقلال والأصالة والمعاصرة، حتى ثارت ثائرتهم وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها خوفا من تقليص حظوظهم في الاستمرار بالسلطة أو سحب مقود رئاسة الحكومة من بين أيديهم، وسارعوا إلى تجييش كتائبهم معلنين حربا شعواء ضد مطلب تعديل فصل دستوري يرونه جسرا أمن لهم العبور بسلاسة وسلام نحو قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، فكيف لهم الاستسلام لمحاولة مراجعته ؟

 

فالرافضون للتعديل هم قياديو الحزب الحاكم في المقام الأول، ويليهم كل المستفيدين من خدماته. حيث اعتبرت الأمانة العامة للحزب أن الدعوة مغرضة وترمي إلى الحد من انتشار نفوذهم في المجتمع والعمل على عزلهم سياسيا، وأنها تعد انقلابا على المنهجية الديمقراطية. إذ وصفها كبيرهم العثماني ب"شهادة يأس" تكشف عن ضيق الأفق وحالة من الفزع والقلق في أوساط الواقفين خلفها، داعيا إياهم إلى العمل السياسي الجاد لإقناع الناخبين بالتصويت عليهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وذهب بعضهم إلى اعتبارها خدعة سياسية للالتفاف على نتائج الانتخابات والحيلولة دون تمازج الإرادة الشعبية بالإرادة الملكية في تعزيز الديمقراطية. كما لم يفت الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الحليف الوفي

 

للبيجيدي محمد نبيل بنعد الله، التنبيه إلى أن إقرار "التعديل" ستكون لها عواقب وخيمة على مسار البناء الديمقراطي، وأنه سيساهم في إضعاف الأحزاب السياسية الجادة وفسح المجال لتعيين رئيس الحكومة من خارج الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات...

 

وفي المقابل يرى مؤيدو التعديل أن الفصل 47 كان سيكون مجديا في حال وجود قطبين سياسيين كبيرين يستطيع أحدهما الحصول على أغلبية برلمانية. وبما أن الأمر ليس كذلك وانطلاقا مما سمي ب"البلوكاج الحكومي" الذي أدخل البلاد في نفق مظلم من الجمود العام طوال ستة شهور، ورمى بأساتذة القانون في دوامة الاجتهادات والتأويلات الدستورية، إثر إخفاق ابن كيران في مشاورات تشكيل حكومته الثانية بعد انتخابات 2016، واضطرار الملك إلى إعفائه وتعيين العثماني خلفا له من نفس الحزب، اتضح أن الفصل يتضمن بياضات تستدعي ملئها، من حيث خلوه من مهلة تشكيل الحكومة وعدم الإشارة إلى إمكانية توسيع هامش الخيارات الملكية عند إخفاق الشخصية المكلفة، كاللجوء مثلا إلى شخصية أخرى من الحزب المرتب ثانيا أو من تكتل الأحزاب المتوفرة على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية...

 

 

وإذ نثمن أي نقاش جاد حول تعديل الدستور ومراجعة المنظومة الانتخابية في إطار الممارسة السياسية الحقيقية وخدمة المصلحة العليا للوطن، فإننا ندعو إلى عدم تجاهل المواطن الذي لم تعد تهمه بالمعارك السياسوية ومن سيفوز من أحزاب الأغلبية أو المعارضة بالانتخابات التشريعية، ولا إن كان تعديل الدستور يروم تفادي تكرار أزمة 2016 أو إنهاء هيمنة البيجيدي على قيادة الحكومة، بقدر ما يهمه تحقيق التنمية وإصلاح التعليم والصحة والقضاء والحد من معدلات البطالة والفقر والأمية وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وتوفير الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

مجموع المشاهدات: 436 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة