الرئيسية | أقلام حرة | اللغة الإسبانية في المملكة المغربية

اللغة الإسبانية في المملكة المغربية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
اللغة الإسبانية في المملكة المغربية
 

تعددت أوجه العلاقات المغربية الإسبانية واختلفت أشكالها على امتداد تاريخها و طوله، فالماضي العريق الذى أقاما أسسه و دعائمه و ساهما في نسج خيوطه و كان له ما كان من إشعاع حضاري و ثقافي و علمي و لغوي منقطع النظير، لا بد إلا أن يساهم في بناء و استشراف مستقبل واعد يسوده نوع من التفاهم والتعايش ووضع حد للشد والجذب و المد والجزر الذي طبع العلاقات الثنائية على مر العصور.

و لعل الجانب اللغوي يعد أساسيا و محوريا في تفعيل و تعميق الحوار الثقافي بين المملكتين و مكافحة أسباب عدم الفهم و ونتائجه.وباعتبار قيمة اللغة كأداة للتواصل و التعارف بين الشعبين الجارين و دورها في تقريب وجهات النظر و إيجاد أجوبة آنية للقضايا الكبرى للبيئة المتوسطية، كان لا بد من تحريك المياه الراكدة على المستوى اللغوي هذا و تنظيم أنشطة ثقافية ترمي إلى إعادة التوهج إلى اللغة و الثقافة الإسبانيتين التي كانتا في وقت قريب تحضيان بمكانة خاصة في المنظومة التعليمية المغربية سواء في السلك الثانوي بشقيه الاعدادي و التأهيلي أو في التعليم الجامعي. 

أولى قطرات الغيث لهاته الدينامية الجديدة كانت باختيار المملكة الاسبانية ضيفة شرف على المعرض الدولي للنشر و الكتاب بالدار البيضاء.تلاها بعد ذلك اللقاء الذي نظمه معهد سيربانطيس بالرباط حول موضوع مستقبل اللغة الاسبانية في المغرب و الذي جمع ثلة من المتخصصين و المهتمين بالدراسات الاسبانية لتشخيص الداء و إيجاد الدواء للغة تعرف حاليا انكماشا و تراجعا ملحوظا.

من جهة اخرى كان للاستقبال الشرفي الذي خص به العاهل الإسباني فيليبي السادس (Felipe VI) لعدد من الكتاب و الأدباء و المتخصصين المغاربة في الدراسات الاسبانية وقع كبير، حيث اعتبر بمثابة اعتراف بالمسار الأكاديمي لهؤلاء، كما انه كان فرصة لاسماع صوتهم على أعلى مستوى و إعطاء دفعة جديدة للغة و الثقافة الإسبانيتين و تعزيز حضورهما و مكانتهما في المغرب.

بعد ذلك بأسابيع نظمت الجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية و الإيبيرو أمريكية مؤتمرها الدولي الأول تحت عنوان الآداب الإفريقية باللغات الايبيرية (1956-2018. (

في إطار هاته الحركية، نظم معهد سيربانطيس بالعاصمة العلمية فاس، أسبوع الآداب المكتوب باللغة الاسبانية بمشاركة نخبة من الأدباء و الشعراء المغاربة و الاسبان.

كما رأى النور مؤخرا مولود إلكتروني يتجلى في مجلة مغاربية تهتم بالأبحاث و الدراسات و الانتاجات الأدبية باللغة الاسبانية يشرف عليها عدد من الاساتذة الجامعيين و الباحثين من المنطقة المغاربية و المملكة الاسبانية.

كل هذا و ذاك سيساهم لا محالة في ضخ دماء جديدة و الدفع بعجلة اللغة الاسبانية التي تتعدى كونها وسيلة للتواصل، بل هي أيضا أداة للتعارف و التآخي و تساهم بشكل مباشر في مد جسور التفاهم و الحوار بين البلدين الجارين، بدون إغفال كونها لغة للانتاج الفكري و الأدبي لمجموعة من الكتاب و الشعراء المغاربة، فالتاريخ المشترك بين الجانبين يعد ضاربا في العمق و كفيلا بجعل اللغة الاسبانية حاضرة بكل ثقلها في المغرب و أي تهميش للغة سيربانطيس (Cervantes) هو تقصير في حق جزء مهم من تاريخ المغرب القديم و الحديث و محاولة لطمس حقائق تاريخية من الذاكرة المغربية التي كانت و لا زالت تحتفظ باللغة الاسبانية كتراث إنساني يساهم بقوة في إثراء الحقل اللغوي في المغرب؛ هذا الأخير -بفعل موقعه الجغرافي الاستراتيجي- كان و لا زال نقطة للعبور و منطقة إلتقاء العديد من الشعوب و الثقافات و اللغات. و لا زلنا نتذكر المثل الذي ضربه المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني للمغرب: شجرة جذورها متشبعة بالتاريخ الأفريقي و اغصانها متوجهة نحو أوروبا. إنه حقا لخير مثل على التلاقح الثقافي و الحضاري و اللغوي الرائع الذي ينعم به بلدنا.

تعد اللغة القشتالية أو الكاستيانو أكثر لغة تدرس في العالم و أكثر شعبية إلى جانب الإنجليزية، كما انها لا تقتصر على إسبانيا فحسب، بل هي لغة رسمية لمعظم بلدان أمريكا اللاتينية.

بما لا شك فيه فإن إعادة توهج اللغة الاسبانية و إحيائها من جديد و خاصة في المناطق الشمالية للمملكة المغربية ستكون له آثار جد إيجابية على الصعيد الإقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الامني، فانفتاح المغرب على الجارة الشمالية لغويا يوازيه انفتاح على تجربة فذة للتقدم و التطور و هو كفيل بخلق حركية دؤوبة غرضها الاستفادة من الخبرة و والتجربة الإسبانيتين و استلهامها و التماس اسباب الازدهار و التنمية في شتى الميادين من بلد كان يعتبر في وقت قريب من البلدان المتخلفة. 

فما أحوجنا لإعادة الاعتبار لهاته اللغة و تشجيع تعلمها خاصة في المنظومة التعليمية المغربية و جعلها إلى جانب لغات اخرى بمثابة نافذة مطلة و منفتحة على شعوب و ثقافات أخرى تساهم في بناء الانسان المغربي المتشبع بهويته و اصالته و المنفتح على الآخر بكل اجناسه و اطيافه و البعيد عن كل اشكال العنف والتطرف.

 

 

مجموع المشاهدات: 1740 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | جواد
الإسبانية لغة جميلة
دمت متألق سي سعد في كتاباتك الهادفة! شكرا لك.
مقبول مرفوض
0
2019/05/23 - 05:00
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة