مراد الزياني
بعيدا عن الحديث عن رفع الميزانيات و تبذير المال العام في جعل التعليم فأر تجارب،بل جعل أبناء هذا الوطن فئران تجارب مناهج جديدة كل فترة تحت أسماء عديدة،المخطط الإستعجالي،الميثاق الوطني،الكتاب الأبيض،رؤيا الإصلاح من و إلى،...
هذه التجارب التي لا تعد سوى تخبط عشوائي يزيد من تدهور القطاع يوما بعد يوم،فتغيير المناهج التعليمية و تطبيق النظريات التعليمية الغربية لن يتيحا لنا تحقيق ذلك الإصلاح المنشود،هذا أن كنا ننشد الإصلاح فعلا!
أتساءل لماذا تجاهل المختصون إعتماد إصلاح حقيقي شامل؟رغم أن هذا النموذج يتم تطبيقه في أغلب الدول التي نحاول تقليد مناهجها التعليمية.
فالإصلاح الحقيقي الذي قد ينهض بقطاع التعليم هو ما يمكن أن نسميه التعليم بالمستويات أو الفئات،هذا المنهج وارد في النظريات البيداغوجية التي يدرس أساتذتنا أثناء تكوينهم،لكن تطبيق هذه النظرية هو مربط الفرس.فالنظرية تقول أن لكل تلميذ أو متعلم قدرات معينة و خصوصيات تجعله متفردا عن غيره،غير أن هذا التفرد ليس مطلقا حيث يمكننا تحديد فئات مختلفة من المتعلمين يشتركون في المستوى التعلمي التعليمي.نستطيع الجزم بأنه يوجد ثلاث فئات عامة من المتعلمين،ذوو القدرات العالية و هم المتفوقون،ذوو القدرات المتوسطة و هم المتوسطون،و ذوو القدرات الضعيفة و هم الضعفاء.
النظرية البيداغوجية يعلمها كل معلم لكن تنزيلها على أرض الواقع هو شبه مستحيل،فهذا التميز أو التقسيم بين المتعلمين موجود و هو حقيقة،لذلك بدل أن يحاول المعلم التعامل مع كل الفئات في قسم واحد مختلط وجب التقسيم الفعلي لهذه الفئات الثلاث ليصبر تدريس كل فئة منفردا.و هذا سيتيح للمعلم العطاء أكثر و التقدم في تطوير أساليبه التعليمية،كما سيتيح للمتعلم تكافؤا في المستوى مع أقرانه فلن يشعر بالدونية و لن يتعرض للظلم إن كان متوسطا أو ضعيفا فيعامل على غرار المتفوقين فيتراكم لديه عدم الفهم ليفقد نفسه داخل الفصل،و لن نظلم المتفوق في تواجده في قسم ذو وتيرة تعليمية بطيئة و تنافسية ضعيفة فيتراجع مستواه.
هذا التقسيم ليس عنصريا أو محاولة للتهميش بل هو حل لإصلاح التعليم،و هو محاولة لتحقيق العدل فلا نظلم المعلم بقسم مختلط يتطلب مجهود خارق لضمان تحقيق فهم الكل،و لا نظلم المتعلم فنحقق لكل فئة الجو المناسب للتعلم و تحقيق أفضل النتائج.
إن التقسيم الذي أشرت له ليس تقسيما بنيويا أو إجتماعيا فقط،بل هو تقسيم ثقافي فكري،يسعى لتحقيق التميز،فكل فئة متفردة و لها ما يميزها لذلك وجب استثمار هذا التفرد منذ البداية لتحقيق التكامل و التوازن داخل المجتمع،فالفئات المتفوقة غالبا تتميز بالقدرة العالية على الفهم أو القدرة العالية على الحفظ فنميز منذ السنوات الأولى للتعليم بين المتعلمين ذوو التوجه العلمي و ذوو التوجه الأدبي،فنركز على استثمار كل فئة داخل توجهها لنحقق أفضل النتائج.غالبا هذه الفئة تنتج أصحاب المهن العلمية البحتة،المهندسون،الأطباء،الأكاديميون،المبرمجون...إضافة إلى الإعلاميين،النقاد،الأدباء...
فئة المتوسطون تكون ذات قدرات متوسطة في الفهم و الحفظ،و هذا ليس لأنهم أقل شأنا من المتفوقيين بل لأنهم لهم ملكات أخرى أكثر تميزا من الفهم و الحفظ،غالبا نجد هذه الفئة تنتج مفكرين، فنانين،مخترعين،...هذه الفئة تتميز بخيال أوسع من غيرها لذلك نجد المتعلمين المتوسطين يحققون نتائج لابأس بها بمجهودات بسيطة،و هذا لأنهم لهم ميولات إما فنية أو فكرية مختلفة عما يتلقونه في المدارس.و من هنا نقول أن هذه الفئة ذات طابع فني و تطبيقي،حيث يحب المتعلمون الإختراع و تطبيق مامثلاتهم على أرض الواقع بعيدا عن الأساليب التقليدية.
و أخيرا فئة الضعفاء،ليس انتقاصا منهم بل هو تقسيم يميزهم بدورهم عن غيرهم،هذه الفئة تتميز بكون المتعلم فيها عملي بدرجة كبيرة فتراه لا يفهم أو لا يحاول فهم شيء مالم يقتنع بجدواه و الغرض منه،و لا نقول بأن المتعلم الضعيف لا يملك قدرات عالية أو خيالا واسعا،بل العكس،قد نجد من المتعلمين من يملكون قدرات عالية لكنهم لا يستطيعون توظيفها في الفهم و الحفظ لأن لديهم ميول عملي تطبيقي بحت،هؤلاء نجدهم متميزين في الأعمال التطبيقية حيث نلاحظ ابتهاجهم و استعدادهم للتعاطي مع المعلم في هذه الحالة.
هذه الفئة غالبا يجب توجيهها لمجالات التكوين المهني و الأعمال التطبيقية للإستفادة الكاملة من قدراتهم،فهؤلاء يتميزون مستقبلا بالسرعة في الأداء داخل أوراش العمل و الشركات.هم عمال متفوقون في الأعمال اليدوية.
إن الإصلاح الذي أرمو له ليس من منطلق عنصري أو لتفضيل أحد على الآخر،بل هو إصلاح يرمي لتحقيق العدل لدى كل من المعلم فيسهل عليه التعامل مع كل فئة.و لدى المتعلم فيسهل عليه الاندماج في السيرورة التعليمية داخل وسط منسجم متقارب المستوى يضمن له العطاء الأمثل حسب كل فئة.
إن بدأنا هذا الإصلاح الآن قد نحقق في الجيل القادم نتائج عظيمة تنهض بالبلد بسرعة قياسية،إن استمر تعنت المسؤولين عن القطاع فأضمن لكم تبذير المال و الأجيال.
