الركراكي يؤكد: أمرابط عنصر أساسي ونحتاجه في قادم المباريات

الركراكي: المغربي ممكن يتقلق عليك فالصباح، ولكن فالليل يوقف معاك ويعرض عليك

رغم الفوز أمام زامبيا.. لاعبو المنتخب المغربي يرفضون تقديم التصريحات للمنابر الإعلامية

بنصغير يتحدث عن لحظة عناق اللاعبين للركراكي بعد تسجيل الهدف الثاني

الركراكي: الجمهور هو لي ربحنا اليوم ..ودبا بطولة جديدة غتبدا فحال كأس العرش

أول ظهور لحكيمي في كأس إفريقيا بعد العودة من الإصابة

الرابور مسلم و .. "أكبر غلطة"!

الرابور مسلم و .. "أكبر غلطة"!

الصادق بنعلال

 

1 -  لم تعد أغاني الراب الحديثة تثير اهتمام الفئات العمرية الفتية و الشباب بشكل خاص ، بل إنها أضحت مجال عناية من قبل المختصين بدراسة التجليات الثقافية و الأشكال الفنية المختلفة ، و ذلك لما تميزت به هذه الأغاني من سمات دلالية و فنية نوعية ، الأمر الذي مكنها أن تصبح محط تحليل و استقراء جادين ، لاستجلاء مدلولاتها و حمولاتها المعنوية بالغة العمق . و قد شهدت الساحة الفنية المغربية منذ أكثر من عقد موجة شديدة الوقع على المتلقي لهذا الغناء الشبابي الاحتجاجي ، القائم على إيقاع موسيقي خفيف و لغة تواصلية غاية في الوضوح و المباشرة ، مع قدر أكبر من الجرأة ، و القدرة على التعبير عن أعطاب المجتمع المغربي و أمراضه السياسية و الاجتماعية .. و ما من شك في أن فضاءنا الموسيقي الراهن يشهد عددا كبيرا من الشباب الذين اتخذوا من الراب وسيلة فنية للبوح بآلام و آمال المحرومين ، و يعد محمد المزوري المعروف فنيا بلقب "مسلم" من أبرز الأسماء الوازنة في هذا السياق ، بفضل نهجه المعتدل في اصطفاء حقله المعجمي غير الصادم ، و المفردات القريبة من إدراك المتلقي "البسيط" ، و تركيزه على التيمات الاجتماعية و الأخلاقية أكثر من تعاطيه مع القضايا السياسية "الجريئة" . فإلى أي مدى يمكن الزعم بأن أغنيته الشهيرة "غلطة الوالدين" يمكن أن تلخص مجمل المكونات الدلالية و الجمالية لهذا الفنان الذي "ملأ الدنيا و شغل الناس" في المنجز الغنائي الراهن !؟

 

2 -  اشتهر "مسلم" بمجموعة من الأغاني التي يحفظها الجيل الجديد عن ظهر قلب ، من قبيل التمرد والمرحوم و الزنقة و يما ، و هي كلها تخضع لنسق بنيوي بالغ التنظيم ، يتضمن عددا من المقاطع المختلفة الطول ، تفصل بينها لازمة تحمل فكرة مكثفة و تضمن الانتقال السلس من وحدة معنوية إلى أخرى ، مع الاستناد إلى الضوابط الإيقاعية والجمل غير المتطابقة في الحجم ، و تعدد القافية و الروي و الصور و الرموز ذات المنحى الجمالي الإيحائي ، كما هو الشأن في هيكلة القصيدة الشعرية الحديثة .   و نص الأغنية قيد المعاينة التحليلية يحمل عنوان "غلطة الوالدين" و الذي يعود إلى سنة 2014 . يتكون هذا النص من ثلاث وحدات فنية تدور حول موضوع اجتماعي بالغ الخطورة يتمثل في "الطلاق" ، يبدأ المقطع الأول ب ( ظنيتوا باللي الحل كان الفراق ) و ينتهي ب ( بقاو فبالي الذكريات ما كرهتشي نقلعها من عرقها ) ، و يستهل المقطع الثاني ب ( ما عرفتشي كيفاش جمعكم القدر ) و يتوقف عند ( حكاية طفل صغير دفعها ثمن أخطاء الوالدين ) ، أما المقطع الأخير فينطلق من ( الأحاسيس فقلبي مخلطة ) و يخلص إلى ( كيف ما كان الحال كتبقاوا الوالدين ) .

 

منذ مستهل هذه الصرخة المدوية في وجه الآباء ، ينهض النص شاهدا على أنانية الأبوين و عجزهما غير المبرر في البحث عن إقامة جسور التفاهم و الوئام ، و البحث عن ضفة آمنة تضمن الاستمرارية و الذود عن مصالح الأطفال و حماية مستقبلهم من الضياع المحقق في لحظات التجاذب و تقاطع وجهات النظر ، و قد توجه الخطاب إليهما بلغة ملؤها الضجر و الرفض و الأسى : ( كنتوا حاصلين – كنا احنا المصيدة – اسمحتوا فينا – في طرقاتكم البعيدة – مشيتوا بلا ما دوروا اللور-  تفتشوا على السعادة ! ) مما جعل حياة الأبناء عالما من الأحزان و العقد و القلوب غير الرحيمة ، مفتقدة للحنان الظليل ، و الأحضان السخية  بالضحكة البريئة . إن النص بمثابة لوحة فنية عميقة السواء و الشعور بالمرارة و الضياع و الوحدة .. لا بل إن خطيئة الأبوين العصيبة تتمظهر في اللامبالاة و الهوة السحيقة التي "تنتظر" فلذات الأكباد : ( انتوما اخترتوا البداية – و اخترتوا حتى النهاية – بلا ما تفكروا لحظة – بللي احنا غير ضحايا ! ) ، و كأن الحياة الزوجية مجرد لعبة أو مزحة بمنأى عن قيم المسؤولية و الالتزام و التضحية ، و كأنها كتاب تطوى صفحاته بيسر دون اعتبار للمبادئ الإنسانية الرفيعة ، أقلها الحماية المثلى للعش الأسري النواة الأولى للمجتمع ككل . و يمكن القول بأن البنية الدلالية العميقة لهذا النص / الأغنية تتجلى تحديدا في  الإشارة الحافلة بالنفس الدرامي و الذروة المـأساوية الحادة ، حيث ( أقرب الناس في الكون – غلطوا فحقي – أكبر غلطة – هجروني فأضعف لقطة ) ليس هنا أصعب موقف أمام النفس البشرية من الإحساس الدامي من فراق الوالدين و ابتعادهما عن البعض بقرار و تخطيط و إرادة ، و الارتماء في أحضان حياة أخرى و علاقات مخالفة ، لن تكون بالضرورة الحل الأمثل للبحث عن "السعادة" ، و القبض على "الزمن الهارب" .

 

3 -  يأبى هذا النوع الغنائي الثائر إلا أن يكون وفيا لجراح الفئات الشعبية المنسية و حقها في التطلع إلى غد أفضل ، هذه الفئات المعرضة لكل أنواع التمييز و الحيف و اللامساواة .. كما أنه مصر على انتهاج سبيل تعرية الواقع الاجتماعي الحافل بكل أشكال المعاناة و الحرمان و الفساد بشتى ألوانه ، و فضح مسلكيات الاستبداد الفردي و الأسري و السلطوي .. بغية تفكيك البنيات العميقة للتحكم المجتمعي ، و المساهمة الضئيلة في بلورة تجربة سياسية وطنية ، تنهض على القيم الديمقراطية الكونية من عدل و حرية و كرامة إنسانية ، كل ذلك في صوغ لغوي محكم ، يوازن بين بلاغة الوضوح اللغوي و عمق المستوى الرؤيوي و جمالية الإيقاع الموسيقي الرحب .

 

 

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات