اسماعيل الحلوتي
في خضم الزوبعة التي أثيرت على صفحات التواصل الاجتماعي إثر دعوة عزيز أخنوش وزير الفلاحة ورئيس حزب "الأحرار"، إلى إعادة تربية بعض المغاربة "قليلي الترابي" لتطاولهم على المؤسسات والمس بثوابت الأمة، التي أطلقها من مدينة ميلانو الإيطالية يوم السبت 7 دجنبر 2019، بمناسبة افتتاح مؤتمر مغاربة العالم.
وبما أن عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية" لم يستطع بدوره التخلص من غروره، فإنه ومنذ إعفائه في 16 مارس 2017 لإخفاقه في تشكيل الحكومة، مازال مصرا على ألا يترك أي فرصة تمر دون الانقضاض عليها في محاولة خطف الأضواء. إذ بعد أن اختفى لبضعة شهور واعتقد الناس أنه ذهب بغير رجعة، عاد ثانية مستغلا حضوره في مؤتمر الذراع النقابية للحزب: نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب المنعقد يوم الأحد 15 دجنبر 2019، للهجوم على اللجنة التي عين أعضاءها الملك محمد السادس يوم الخميس 12 دجنبر 2019، مكلفا إياها بصياغة نموذج تنموي جديد. وهي اللجنة التي سبق أن أسندت رئاستها إلى سفير المغرب بالعاصمة الفرنسية باريس شكيب بنموسى، الذي اقترح أعضاءها ال"35" من شخصيات وازنة من داخل المغرب وخارجه تتوفر فيها شروط الكفاءة والعطاء والالتزام وعلى دراية واسعة بالمجتمع، وبالقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية. وتتحدد مهامها في بحث ودراسة الوضع القائم بصراحة وجرأة، انطلاقا مما تحقق من منجزات وإصلاحات، ومن انتظارات الشعب والسياق الدولي الراهن وتطوراته المستقبلية، على أن ترفع تقريرا بذلك إلى الملك مع حلول صيف 2020.
فابن كيران الذي قضى فقط خمس سنوات رئيسا للحكومة، وخرج منها بسيارة فاخرة ومعاش استثنائي مدى الحياة بقيمة سبعة ملايين سنتيما شهريا، معفى من الضريبة ومن غير أن يساهم فيه ولو بفرنك واحد، نظير ما أسداه للدولة من خدمات على حساب خبز الطبقات الفقيرة والمتوسطة، أبى إلا أن يبدي امتعاضه من تشكيلة اللجنة، مصعدا من لهجته تجاهها بدعوى افتقارها إلى الإنصاف والتوازن. والأخطر من ذلك اتهام بعض أفرادها بالمتخصصين في التشكيك في الدين الإسلامي. وهو ما جعل الكثيرين يرون في عدوانه غير المحسوب العواقب، مجرد رد فعل غاضب عن عدم المناداة عليه هو شخصيا للمشاركة في اللجنة على غرار ادريس جطو وغيره من الشخصيات البارزة، وليس بسبب إقصاء التيار الإسلامي كما يحاول أن يوهم بذلك الآخرين من أعضاء الحزب والنقابة والأنصار...
وابن كيران يعاني بلا شك من حب الظهور ويريد دائما أن يصنع الحدث من أي شيء واللاشيء، ويجيز لنفسه ما لا يبيحه لغيره، إذ يعتقد أنه فوق كل الشبهات والمؤهل الوحيد لإصدار الأحكام واتخاذ القرارات. فما شأن المغاربة برضاه من عدمه عن اللجنة التي تم تنصيبها لخدمتهم، وإيجاد الحلول التي من شأنها النهوض بأوضاعهم وإعادة السكينة والطمأنينة إليهم، بعد أن قذفت بهم في دوامة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، قراراته العشوائية والارتجالية وسياساته اللاشعبية وتدبير حكومته السيء للشأن العام وإغراق البلاد في بحر المديونية؟ فبأي صفة يحشر أنفه في المواضيع الأكبر منه؟ ومن يخول له الحق في انتقاد مجموعة من خيرة الأطر المغاربة خبراء ومثقفين، ممن لبوا نداء الوطن وخدمة أبنائه بدون تلقي أي تعويض أو الاستفادة من أي امتيازات، كما يفعل هو وصحبه؟
فابن كيران الذي طالما كان يبرر فشله بالتشويش على حكومته، ويدعي أن هناك جهات لا تكف عن عرقلة مسار التنمية والحيلولة دون فتح الكثير من الأوراش والانخراط في الإصلاحات الكبرى، وكان يحذر من الذين يستغلون السياسة في خداع الناس وتحقيق طموحاتهم الشخصية والحزبية، ويدعو
إلى مضاعفة الجهود من أجل خدمة الصالح العام... هو نفسه الذي يلعب اليوم دور أكبر مشاغب سياسي ومشوش على المشاريع التنموية والبرامج الإصلاحية، ضدا في الحكومة التي يقودها الحزب الذي ينتمي إليه، وبدا ذلك واضحا عبر خرجاته الاستفزازية وتسخير آلته الجهنمية، سعيا إلى وضع العصي في عجلة رفيق دربه سعد الدين العثماني في عدة مناسبات وقبل ميلاد حكومته، وكانت أبرزها معارضته القانون الإطار للتربية والتكوين.
يبدو من خلال ما صار عليه ابن كيران من اندفاع وتهور، بعدما ربح الدنيا وخسر الآخرة ومعها حب آلاف المواطنين الذين باعهم الوهم وخذلهم بوعوده الكاذبة، وبعد أن تقدم به العمر واطمأن على مستقبل أبنائه وبات خارج السلطة، أنه لم يعد لديه ما يخشاه سوى الإعلان عن الحرب ضد الجميع، رافعا شعار "علي وعلى أعدائي" معتمدا في ذلك على شيطنة الآخرين والتحريض والتهديد والوعيد وبث سموم الكراهية والفرقة وإشعال نيران الفتنة بين أفراد المجتمع، ناسيا أن حيله أضحت مكشوفة حتى بالنسبة للأطفال الصغار، وأن تماديه في تقمص دور المصلح/الضحية لن يجلب له إلا المزيد من البغض والعزلة...
