الرئيسية | أقلام حرة | من أجل ماذا نرتاد المقاهي..؟؟

من أجل ماذا نرتاد المقاهي..؟؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
من أجل ماذا نرتاد المقاهي..؟؟
 

المقهى؛ ذاك المكان الخاص الذي ينفرد بطقوسه وعوالمه، وقد لا يختلف في بعض الأحيان من مقهى إلى آخر، والتي قد تكون مألوفة وعادية عند البعض من أولئك الذين اعتادوا الإدمان على الجلوس في فضاءاتها المتنوعة والجذَّابة أحيانا، وفي ظل المنافسة القوية بين المقاهي عبر ربوع الوطن، فهناك من يخصص أموالا طائلة، كي يجعل فضاءها مكانا متميزا ، يوفر جميع شروط الراحة والجمال المصطنع حتى تثير أكبر عدد من الرُّواد من جميع الفئات المجتمعية، وكي يمكث فيها الجالس لساعات طويلة دون ملل ولا ضجر إلا من بعض الانفلاتات العابرة التي تبقى استثناءً لا يؤخذ بها..!!

 

المقهى وفضاءاتها تختلف من مقهى إلى آخر، وحسب موقعها ومكانها الاستراتيجي بالمدينة وتاريخها وصورتها وتداول اسمها المشهور لدى الكثيرين سواء من الذين يحُجُّون إليها قديما أو حديثا، لكنها قد لا تخرج عن التصنيف المعهود والمألوف ، وما تمثله لروادها في حياتهم اليومية..!!

 

فهناك ما يسمى بالمقهى الثقافي، و هذا الصنف لا يتواجد إلا ببعض المدن، وقد عرفت هذه الظاهرة لما أمسى يسمى بالمقاهي الثقافية بالمغرب انتعاشة ملحوظة وازدهارا نوعيا مؤخرا. وقد كنا نسمع سابقا، بالمقاهي الثقافية وتواجدها بالمدن التي لها مكانتها في مجال السبق العلمي والمعرفي و الحضاري والتاريخي الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس ومكناس وتطوان و طنجة.. واليوم ؛ في إطار حلحلة الصمت الثقافي واستغلال هذه الأمكنة كي تكون وسيطا مهما وفضاء مفتوحا بين الجماهير المتعطشة للفكر والثقافة والفن وبعض المبدعين الذين يبحثون لهم عن من يتواصل معهم قصد إيصال رسالتهم الثقافية ،والخروج بالفعل الثقافي من القاعات المكيفة والصالونات إلى أماكن يتواجد فيها عموم الناس، من أجل الترويج للمنتوج الثقافي والمصالحة مع من يهمهم الفعل الثقافي من أبناء هذا الشعب. ولقد سبق أن تأسست شبكة للمقاهي الثقافية في سنة 2015 برئاسة نور الدين أقشاني قصد نشر الثقافة بالمغرب العميق والمدن الصغيرة، وتغيير الصورة النمطية عن المقهى بأنها المكان الذي يلجه المدخنون والعاطلون ومن يبحثون لهم عن قتل الوقت باللغو واللغط وما لا يفيد من الكلام ...!!

 

وهناك المقاهي المشهورة بهدوئها وسكونها ونقاء فضائها ومنعها لكل أنواع وأشكال التدخين ، خاصة وأن الموضة الجديدة اليوم ، ممثلة في الشيشة وطقوسها الدَّخيلة على المجتمع المغربي ومخاطرها على صحة اليافعين والشباب خصوصا، وهذه المقاهي تبقى المَحَجَّ الخاص بالطلاب والتلاميذ، ومن يهوى القراءة والمطالعة والجلوس صحبة الأنيس القديم " الكتاب " قبل غزو الوسائل التكنولوجية والمعلوماتية فضاءات عالم البشر، وبدون ضجيج ولا لغط ولا ما يعكر صفو السكون والراحة النفسية، والتي تحُجُّها هذه الفئة من النخبة المتعلمة والمثقفة كي تركز لساعات في نشاطها الذهني والفكري والبحث لها عن غذاء الروح و العقل معا ..

 

وهناك مقاهي روادها من فئة السماسرة في مجال العقار وكذا السيارات والصفقات.. وفي فضاءاتها لا تسمع إلا الحلف والمدح أوالهرج وأصوات الهواتف الشغالة التي لا تتوقف بحثا عن "هَمْزَاتْ " أو بيع أو شراء ، ويبقى لنا الصنف المعهود والعادي الذي تختلط فيه أصناف شتى من البشر، قد تختلف أمزجتهم كما تختلف جلساتهم سواء العابرة منها أو القصيرة و الطويلة، ٠ومنهم من اعتاد أن يحتسي قهوته مع تسابقه على جرائد المقهى ،ومنهم من يقرأها قراءة سريعة وخاطفة لكذا عناوين. وهناك فئة متخصصة تعصرها عصرا شديدا ، كما عُصِرَتْ قهوته فلا تنفلت من بين يديه إلا بعدما يَفْلِيهَا فَلْيّاً، وكأنه يحسبها بمنطق معادلة ما سيدفعه مقابل قهوته، قد يساوي إلى حد ما ما سيقرأه من جرائد في نهاره الجديد، وحتى هذه الجرائد نفسها لها أصناف من قُرَّاءِ منابرها ومواضيعها ، فمنهم من هو مولوع سوى بالرياضة أو السياسة أو الثقافة ونادرا ؛ إن لم نقل من الغريب ما تجد أحدا في مثل هذه المقاهي من يقرأ مجلة أو كتابا أو رواية أو قصة..وما يمكن لك لمسه في داخل فضاءاتها هي السحب الكثيفة من دخان السجائر والتي لا تخلو من خطورة وضرر كبير على صحة وسلامة هؤلاء الرواد أنفسهم، وهم لايدرون العواقب وسط محيط لا يتجدد فيه الأوكسجين. أما إذا ما جلس غير مدخن وسطهم في هذا الفضاء، فعند عودته للبيت سيحمل في ثيابه رائحة دخان سجائر لا تطاق ، وكأنه كان بالفعل يدخن في وقت يكون قد عَرَّضَ فيه جسمه لأضرار التدخين السلبي، وهو لا يدري هو الآخر وتتضاعف الخطورة كلما مكث لوقت طويل أو تعوَّد على الجلوس في وسط هذا الضباب القاتل والكثيف من الدخان المتصاعد من كل جانب..!!

 

كثيرة؛ هي السلوكيات الجديدة التي غزت فضاءات المقاهي مؤخرا، وخاصة استعمال وسائل التواصل الحديثة من هواتف ذكية وحواسيب وانشغال الناس طيلة النهار في ولوج مواقع التواصل الاجتماعية ومشاهدة الفيديوات والاستماع للموسيقى بشكل

 

انفرادي او ربط التواصل في مكالمات عادة ما تكون طويلة ، وما يصاحبها من تَفَوُّهٍ لكلمات قد لا يهضمها الآخرون المتواجدون بالقرب منه وخاصة الحامضة منها ..!!

 

وفي المقاهي أيضا تنتشر مهنة وحرفة من لا شغل ولا عمل له، وهي " السعاية " التي تزايدت أرقامها بشكل مقلق ومخيف في العقد الأخير، إذ هناك فئة معينة تقصد هذه الأماكن كي تجمع لها مصروفا محترما من خلال عدة "حَجَّايَاتٍ" يتم حَبْكُهَا وفبْركتُها بطرق شيطانية لكسب عطف الآخرين أو مصاحبة من يدعم ذلك في كذا موقف كي يثير الرحمة والشفقة لدى القلوب الرقيقة في فضاءات مثل هذه الأمكنة...!!

 

كثير ما يقال عن المقاهي ، كفضاء عام أمست له مكانة خاصة في حياتنا .. وكل واحد قد يلجه برغبة وحب وفي نيته إما قضاء وقت عابر يعيد فيه جمع أنفاسه، وهو يحتسي قهوته ويطلع على جريدته المفضلة، ومنهم من يتخذه مكانا للاسترزاق أو المطالعة أو مجالسة من يحب من الرفقة، وهناك صنف آخر عجيب وغريب سبق لأحد أساتذتنا للغة الفرنسية في ثمانينيات القرن الماضي أن نبَّهنا إليه وهو يسألنا سؤالا محيرا حيث قال:

 

- لماذا هناك صنف من الأشخاص يختارون الجلوس في الفضاء الخارجي للمقاهي ؟؟

 

- لما عجزنا عن الإجابة المرغوبة لديه عن تساؤله

 

 

- قال : ببساطة يا أبنائي سوى من أجل التلصص على عورات المارات من النسوة الجميلات..!!

مجموع المشاهدات: 706 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة