بوسلهام عميمر
دون الدخول في حيثيات الارتفاع المهول للأمية ببلادنا، بما أن المبتلين بها بالملايين
(32%) ونحن في القرن الواحد و العشرين قرن الثورة التكنولوجية، وللأسف تشكل نسبتها
في صفوف النساء التي نقول إنهن نصف المجتمع والنصف الآخر يتربى على أيديهن،
النصيب الأوفى بالضعف مقارنة بالذكور، يتداخل في استفحالها ما هو ثقافي بما هو
اجتماعي بما هو عقدي مغلوط، إذ لا يزال هناك من يروج لعدم جدوى تعليم الفتيات،
و يستفحل أمره لما يسبغ اعتقاده بطابع ديني مغلوط بلي عنق الآية الكريمة (وقرن في
بيوتكن) مدعيا أن المرأة مكانها هو البيت و مهمتها هي الزواج وتفريخ الأطفال، علما فالآية
هي موجهة أساسا لأمهات المؤمنين وليس لعموم النساء المسلمات، فضلا على أن الإسلام قد
جعل العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة. هذا دون ذكر دور الفقر في انتشار هذه الآفة
الخطيرة، وكذا تزويد منسوب بحرها بمئات الآلاف سنويا يغادرون المدارس العمومية دون
اكتساب الحد الأدنى من التعليم، مما يسرع التحاقهم بركب طابور الأمية ببلادنا، و دائما
نسبة الإناث هي الأعلى. ينعكس وضعها هذا على حياتها عموما إن في بيتها أو في أماكن
اشتغالها، مستغلين أميتها أو محدودية تعليمها وضيق ذات يدها.
المغرب منذ خمسينات القرن الفائت وملف الأمية مفتوح على مصراعيه دون أن يراوح
مكانه إلا قليلا. عشرات الحكومات (حوالي 31 حكومة) تعاقبت عليه، دون التمكن من طي
صفحة من صفحاته، علما فالملف موزع بين أكثر من قطاع. فمن وزارة الشباب والرياضة
إلى قطاع الفلاحة وقطاع الصيد البحري إلى قطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية، إلى قطاع
التربية والتعليم والمندوبية السامية للسجون والتعاون الوطني والقوات المسلحة والقوات
المساعدة وغيرها من جمعيات المجتمع المدني، إلى 2013 بتأسيس الوكالة الوطنية لمحاربة
الأمية، وهي مؤسسة عمومية تابعة لرئيس الحكومة تحظى بتدبير مرن ولها فرص البحث عن تمويلات
وطنية وأجنبية، تعنى بمختلف برامج محو الأمية. ميزانيات بالملايير من الناتج الداخلي الخام، أو ما
يصل عبر لائحة الشركاء الدوليين، ابتداء من الاتحاد الأوربي ومنظمة اليونسكو والوكالة
الأمريكية للتنمية الدولية والوكالة الاسبانية للتعاون الدولي والتعاون الإيطالي وغيرها من
المؤسسات المانحة، ممن يهمها القضاء عليها لاكتساب يد عاملة مؤهلة للتعامل مع تقنيات
الإنتاج الحديثة.
السؤال الذي يفرض ذاته، ما الذي تحقق على درب محاربتها على امتداد كل هذه العقود منذ
الاستقلال إلى الآن؟ وهل أمرها مستعص إلى هذه الدرجة رغم الملايير المرصودة للقضاء
عليها؟
فإذا استثنينا برنامج الأوقاف والشؤون الإسلامية لمحو الأمية الذي يحظى بالرعاية الملكية
المباشرة، عبر مجموعة من المبادرات السامية ابتداء من فتح المساجد عبر ربوع المملكة
لمحوها، إلى تخصيصه المتوجات والمتوجين بجوائز سنوية هامة، و كذا إشراف جلالته
الشخصي على إعطاء انطلاقة برنامج محو الأمية بواسطة التلفاز والانترنت في أبريل
2014، الذي لا تزال حلقاته تبث إلى اليوم، تمكن من خلالها البرنامج ليصل إلى كل
المغاربة داخل الوطن و خارجه، إذا استثنينا هذا البرنامج بما يتميز به من سعي مستمر
للرقي بالمستفيدات والمستفيدين وتأهيلهم لاقتحام عوالم سوق الشغل وإقامة المشاريع،
حرصا من القائمين عليه، ليكونوا في مستوى التطلعات الملكية الذي ما فتئ يؤكد في خطبه
أن لا تنمية بدون القضاء المبرم على الأمية بكل أنواعها الأبجدية و البيئية والصحية و
المعلوماتية والقانونية. دون هذا الورش الملكي الذي يحظى بإقبال كبير، بتعبير مدير الوكالة
في أحد حواراته، فما الذي يمكننا الحديث عنه على درب محاربتها، و إذا استثنينا أيضا
بنسبة تابعة برنامج وزارة التربية الوطنية؟
فما الذي تفعله هيئات المجتمع المدني من جمعيات وأحزاب و نقابات المفروض فيها التطوع
للإسهام في القطع مع هذه المعضلة الاجتماعية المعيقة لأية تنمية مهما كان المستوى العلمي
و المعرفي للقائمين عليها، ومهما كانت درجة دقة تسطير برامجها، أم أن القضاء عليها لا
يصب في بحر مصلحتها؟
فلم لا يكون شعار جميع المتعلمات و المتعلمين وفي مقدمتهم طلبة الجامعات رمز النضال
"لكل شيء زكاة وزكاة علمك تعليم غيرك"؟
