الرئيسية | أقلام حرة | الكورونا ما بين العلم واللاهوت العامي

الكورونا ما بين العلم واللاهوت العامي

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الكورونا ما بين العلم واللاهوت العامي
 

بعد قرار إغلاق المساجد وأماكن العبادة الجماعية من طرف السلطات المغربية، الذي تم في إطار مسؤوليتها وصلاحياتها الدستورية، وحرصها الوطني والديني على وقاية صحة المواطنين من جائحة وباء الكورونا كوفيد 19، عاش الشعب المغربي أحداثا، متفرقة جغرافيا ومحدودة العدد، لكنها مقلقة إلى حد كبير. لقد أقدم بعض الأفراد باسم الدين من خلق منابر عشوائية في الفضاء العام، ساهمت في تجميع عدد من المواطنين في أمكنة معينة و/أو دعوتهم إلى القيام بمسيرات لترديد اسم الله اللطيف لطرد الفيروس عن المغاربة، غير مبالين بحالة الطوارئ الصحية وإجراءاتها القانونية. إن إمكانية انجرار بعض المواطنين والتغرير بهم بهذه الخطابات، والمجتمع المغربي بأغلبية شعبه وكل مؤسساته يقاوم بكل ما لديه من قوة للحد من الإصابات والتمكن من العناية بالمصابين، وبالتالي تجاوز مرحلة الخطر، برهنت مرة أخرى أن ما وصلنا إليه، وما حققناه من تراكمات سياسية وثقافية وفقهية، لا يرقى إلى المستوى المطلوب الضامن لمأسسة العمل الفردي والجماعي داخل الفضاء الترابي للمملكة. إن ما عشناه وما نعيشه من ممارسات لا مسؤولة هنا وهناك لا صلة له باللاهوت المرادف لعلم الله أو الدين، بل هو جرأة زائدة لاصطناع لاهوت عامي، لا صلة له بتاتا بصفة "أولي الألباب" المقربة للعباد إلى خالقهم في الدنيا والآخرة.

 

والعالم يتابع الرئيس الأمريكي وهو يعاتب الدولة الصينية بسبب عدم مد دول العالم، في التوقيت المناسب، بالمعلومات العلمية الكافية المتعلقة بهذا الوباء الفيروسي الجديد، ويتابع ما ترتب عنه من ضحايا في دولة إيطاليا ودول أخرى، ويتابع العناء اليومي الذي يتكبده الفاعلون في جل الدول المتقدمة من علماء وباحثين وأطباء وخبراء متخصصين، والمداومات الجارية ليل نهار في المختبرات البحثية في أفق إيجاد مضاد لهذا الوباء المعدي المميت، لا يمكن للرأي العام الدولي أن لا ينعت ترديد اللطيف ببلادنا لطرد الفيروس إلا بالجهل المناوئ للعلم والدين على السواء.

 

إنها معضلة خطيرة ثانية معششة في بعض أماكن ذات الوطن منذ عقود، تارة يتم تنويمها، وتارة يعبأ روادها لتنشيطها لتهييج البسطاء والمنحرفين من أبناء هذا الوطن لتعقيد لحظات الأزمات الظرفية التي تمر منها البلاد، معضلة تم اعتبارها منذ أكثر من عقدين من الأسباب الأساسية المعرقلة للديمقراطية والتنمية. فبلادنا ستنجح بلا شك في تجاوز محنة الكورونا، لكن مؤسساتها ومنظماتها السياسية والمدنية مطالبة بالعمل ليل نهار، مستعملة مختلف الوسائل الممكنة، للوصول إلى تحقيق وعي ثقافي شعبي بمستويات يتحول من خلالها هذا الوعي إلى مضاد جماعي أوتوماتيكي للخطابات الدينية الواهية. إن التساهل مع صناع الانطباعات الدينية اللامبررة عقليا، وتمكنهم من الفسح الزمانية لتحويلها إلى حقائق في أذهان بعض الفئات المجتمعية، وتوفر الظروف المشجعة لهم لبناء قدرات الإدراك الحسي لتفشي الخطأ على حساب الصواب، وخلق حالات ذهنية بآراء عامية لا صلة لها بالمعرفة والتفكير العقلاني، سيضعف، مع مرور الوقت، الترابط المأمول ما بين المؤسسات والشعب، وبالتالي سيترتب عن ذلك ضعف على مستوى تلاحمهما في العمل المشترك من أجل التقدم والرفاه من جهة، وعند حاجة البلاد إلى إجماع وطني قوي لمواجهة الآفات والمخاطر المفترضة من جهة أخرى.

 

خلاصة

 

إن الجهد الذي تبذله المؤسسات المغربية لمواجهة آفة الكورونا، وما قابله من تفاعلات وطنية قوية داعمة في المشهد السياسي والمدني، أبرز بالوضوح ظهور مؤشرات حقيقية تؤكد نسبيا انتصار الأفكار

 

 

الصحيحة في روح المجتمع المغربي. فمقابل القلق الذي أثارته تحركات بعض الجهلة، وما تستدعيه هذه الأحداث من تدخلات حازمة لتجنب كل أنواع الانزلاق إلى المجهول، يبقى التفاعل الجاري جد إيجابي بمقياس تملكه لأدوات العمل وبقيمة نتائجه الملموسة. لقد جسد التعامل مع هذا الداء وطنيا انبثاق التقائية تلقائية في شأن ما هو مفيد لذواتنا وفكرنا وما هو صائب في سلوكنا. فاعتماد معيار النفع الذاتي، المرتبط بنفع الآخر وبنفع وطن برمته، ما هو إلا تعبير واضح يبعد بلادنا، دولة وشعبا، عن الميكيافيلية المتطرفة، ويزرع نوع من الاطمئنان والأمل في غد أفضل. إنه الغد المأمول الذي يجب أن يقف حاجزا منيعا أمام كل محاولات الجاهلين، بمنطق لا يفسح المجال لأي كان مستقبلا لتكريس الاعتبارات اللاإنسانية واللاأخلاقية في جسم مجتمعنا. لقد كان حدث تنظيم المسيرة الخضراء حدثا بارزا في تعبير المغاربة على وطنيتهم ووحدتهم وتضامنهم دفاعا على وحدة تراب مملكتهم، وبرز اليوم، بالرغم من ميول الشعوب عالميا إلى التطرف يمينا، أن المغرب بخير، وأن مناعته لن تزيد إلا قوة كلما تقدمنا في الورشين المتلازمين الديمقراطي والتحديثي.

مجموع المشاهدات: 456 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة