الرئيسية | أقلام حرة | أي تأثير للسياق الوبائي الحالي على الأطفال ؟

أي تأثير للسياق الوبائي الحالي على الأطفال ؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أي تأثير للسياق الوبائي الحالي على الأطفال ؟
 

ألا يتأثر أطفالنا اليوم بالكثير من الهرطقات والسفاسف التي تتداولها الأسر المغربية حول هذا الوباء ؟ هل تمنح أسرنا ولاسيما في هذه السياقات المضطربة الأمن النفسي والمناعة الفكرية الكافية للأطفال ؟ هل تجيب أسرنا عن أسئلة أطفالنا التي يظل معظمها عالقا بلا جواب ؟ ألا تستحق انبناءاتنا الاجتماعية والتربوية والذهنية والتعليمية أن يعاد فيها النظر على الجملة ؟ ألا يستحق أطفالنا أن نتعامل معكم ككائنات مستقلة عن الكبار والبالغين؛ كيانات لهم خيالهم وعالمهم وتركيبتهم النفسية المنمازة عن الراشدين ؟ ماذا عن أدب الطفل عندنا ؟ كم من كتب تضاف سنويا على رفوف مكتباتنا تعنى بهذه الفئة العمرية الحساسة إذا علمنا هنا أن الاهتمام بأدب الطفل كتخصص قائم عند دول الجيران وراء ضفة المتوسط بدأ أزيد من ثلاثة قرون.

 

من غير شك أن الفئة الأكثر هشاشة والأكثر عرضة لأذى نفسي في مثل هذه السياقات الكونية هم الأطفال، هذا الأذى قد يترك ندوبا غائرة في تركيبتهم السيكولوجية في هذا الراهن الحرج باعتبارهم حلقات ضعيفة لم يستوعبوا الذي يحدث، وعيهم وتفكيرهم الرمزي لم ينضج بعد "إذا استحضرنا هنا البنائي "جون بياجي" الذي قرر في دراساته التربوية والسيكولوجية أن بداية التفكير التجريدي الرمزي عند الأطفال إنما يبدأ عندهم ابتداء من السنة الثانية عشر من عمرهم فما فوق، فالنمو المعرفي عندهم يمر بمراحلَ سابقة نفس الشيء سيتقرر مع مؤسس الدرس النفسي فرويد حين ركز على المراحل الأولى لأن الطفل هو أب الرجل حسب فرويد، فالتنشئة الاجتماعية التي ينشأ عليها الطفل في هذه السبع سنوات الأولى هي التي تحدد طبيعته الشخصية في المستقبل. فماذا منحنا لأطفالنا من مناعة ؟

 

إن أطفالنا اليوم يُجلدُون بالكثير من التفسيرات العجائبية التي تدور حاضرا وراهنا في البيوتات المغربية بعد أن أوصدت الأبواب بسبب هذا الاستنفار العالمي ضد الوباء، وما ذاك إلا بسبب تراجع منسوب العلم والوعي النقدي في أوساطنا الاجتماعية والتعليمية والأسرية وغياب الثقافة العلمية؛ ذلك الوعي الذي يمكن أن يعلمنا كيف نسائل الأشياء والظواهر والسلوكيات، ونتعــقّلها ونًمَنطِقها بفهم علمي رصين دون أن نتحول إلى كائنات رخوة طيعة هشة في ريح الخرافة، نبتلع كل شيء حتى ولو كان سامّا أو اديولوجيا متهافتة لا تصمد عند أبسط مساءلة ونقد.

 

أسرنا ورثت تاريخيا وركاما وطبقات كلسية سميكة متعفنة من التخلف والأساطير والأحاجي اللامنطقية التي لا تزال تعشش في ضمائرنا اللاشعورية الجمعية للأسف، ولا زالت ذاكرتنا الشعبية الجماعية مثقلة ومترعة بكل ما يسيء للعلم والعقل ولروح الدين أيضا ومقاصده وكلياته، ولم تسهم يوما هذه المتوارثات السلبية في تأسيس العقل وتحصينه وبنائه بقدر ما تهدمه وتشلّ فاعليته وتقدميته في التاريخ وحركيته. نظامنا الأسري التربوي اليوم أنهكته الخرافة، ومزقته الأسطورة وتفسيرات "النحس"؛ تلك التفسيرات المصادمة للعقل التي تردّ كل شيء للجن والشعوذة والسحر وقس على ذلك التفسيرات الهولامية المفارقة للواقع والتاريخ المضحكة التي يستغلها تجار الأزمات والمشعوذون كوسيلة للاغتناء المادي بعدما صارت الأسر المغربية تروقها التفاهة أكثر من أي شيء آخر بعدما غاب "النموذج الأخلاقي"، واختلت المعايير وتشوّهت الكثير من المفاهيم التي تحتاج أن تصحح من جديد، ولا يمكن أن تصير الأسرة بأي حال من الأحوال من حيث هي مؤسسة المؤسسات، ونسق الأنساق كما يسميها السوسيولوجي المغربي "مصطفى محسن" أسرة مثقفة بانية تستعيد دورها الوظيفي الطبيعي في التوجيه والتثقيف وبناء القيم في ليلة أو نصف ليلة بعد هذا السياق الموبوء الذي بتنا تحت رحمته وحصاره..

 

ولذلك الكثير من التفسيرات التي تدور اليوم وراء الجدران الموصدة بعد هذا الحجر الصحي الطارئ على الأسرة الإنسانية بعدما استبد بالناس الهلع وتعولم الخوف وصارعابرا للقارات، قد تؤذي الأطفال عندنا أذى رمزيا خطيرا وقد يكون أذاها وخيما عليهم على المدى القريب والبعيد وقد يؤثر على اتزانهم النفسي ولذلك يجب أن نخرج من هذه الجائعة بأقل الأضرار والتبعات النفسية، فبدل تشجيعهم على التفكير الحر الذي يتخذ من السؤال صديقا وآلية بحثية كشفية واحضار الكتب والمجلات العلمية التي تلائم مستواهم العقلي يتم حرقهم كشموع لم تر وهج الحياة بعد. إن مشهد ذلك الطفل الطنجيّ قبل أيام الذي كان يردد التكبير وهو يبكي بكاء حارقا من النافذة وكأن القيامة قد قامت من فوق رأسه وارتجّت لا يمكن إلا أن يستوقف الملاحظ السيكولوجي والدارس الاجتماعي "بعينه السوسيولوجية" حينما خرجت الجموع إلى الشارع ليلا تهلل وتناضل ضد فيروس كرونا ! رغم فرض الحجر الصحي في البلاد في مشهد غير مسؤول يطرح أكثر من سؤال حارق لم يكن يعكس في الحقيقة سوى الهدر المدرسي والأسري وما أفدح ثمن الهدر، إنه إفراز لزومي لما زرعناه بالأمس، ونتيجة موضوعية متوقعة لثقافة التضبيع والتجهيل السائدة، لم يبك الطفل إلا خوفا وهو يعبر عن "شحن نفسي"، ولم يكن هذا البكاء إلا تعبيرا عن هذا الامتلاء بالخوف، إنه مؤشر دال عن الاحتقان النفسي الذي تعيشه الأسر في الداخل، كيف سيشعر هذا الطفل البريء الذي لم نسلحه بعد بؤسس ومبادئ التفكير السليم لكي يعقل الأشياء وهو يرى أفرادا من عائلته لا حديث لهم سوى عن الموت والتسجيلات التي تصله من هنا وهناك عن اقتراب خروج المهدي وفناء الدنيا والعقاب الالهي وهذا الجندي الذي أرسله الله ليعاقب به العالم ..، فضلا عن الكثير من الطقوس التدينية الأخرى التي سترفق وستصاحب هذا الحجر.. الخ

 

حدثوا أبناءكم ان الله يوجد حيث توجد المحبة، حدثوهم عن العلم وكيف يصيروا بناة في عالم اليوم كعالم لم يعد يعترف بالضعفاء والأقزام، عالم المختبر والتقنية والعلم بدل

 

تخويفهم بالمسيح الدجال وياجوج وماجوج وهم أبرياء .. الكثير من هذه الأحاديث والنقاشات التي تروج اليوم داخل البيوتات وعلى موائد الأسر والأطفال يسمعون نقاشات مشبعة بالأسطورة حدّ التخمة والتقزز والأسباب السوسيولوجية مركبة لعل أهمها انتشار الأمية ولا أعني بالأمية هنا الأمية الأبجدية فقط وإنما أعني الأميات المختلفة وهي أخطر؛ الأمية الدينية والسياسية والعلمية .. الخ. بهذه الشروط أصبحت الأسر المغربية مرتعا لكل الدجل فضلا عن غياب دور الإعلام التثقيفي التوعوي التحسيسي كما شاهدنا في مجموعة من البلدان المجاورة التي تستضيف بشكل يومي خبراء وأهل اختصاص يتحدثون في موضوع الساعة. هل نحن نحتاج في هذا السياق الحرج الذي صار فيه الموت معمما إلى بث سهرات تلفزية للطرب والغناء؟

 

سئل باحث أمريكي متخصص في "أدب الأطفال" الذي حققت كتبه أرقاما قياسية في المبيعات، كيف استطعت أن تحقق كل هذا وأنت لست طفلا وتكتب عن الأطفال ؟ فكان جوابه بسيطا : "إنني أفكر تفكير الأطفال حينما أكتب عنهم" ، نحتاج فعلا أن نفكر تفكير الأطفال لنحس بالذي يحسون وبالذي يؤرقهم، أتذكر حينما كنت صغيرا وكم كان يشدني حديث أمي وهي تتحدث مع النساء اللواتي كن يزرنها عن اقتراب خروج البحر وفناء الدنيا، وأنّ حاملَ مفاتيح الحرم المكي رأى في المنام أن النبي الكريم قد أخبره ليخبر أمته أن القيامة قد اقتربت فضلا عن تخويفات أخرى قبل النوم ؛ (جيدة الغولا ) كان الأمر بالنسبة لي مخيفا جدا ومرعبا وأنا لم أدرج بعد الدرج الأول من التعليم الابتدائي، وكنت أتساءل مع ذاتي دون أن أجد جوابا يشفي غليلي كيف لهذا البحر الذي سيطفو وسبتلع كل شيء ولم يكن قد سبق لي أن رأيت البحر وشكله.. كان الرعد يخيفني وكلما رأيت عاصفة قادمة اعتقد أن هذا البحر قد اقترب ليفيض، لقد فسرت عائلتي زلزال الحسيمة المدمر سنة 1994 وأنأ طفل صغير متدثر في حجر والدتي أن الثور الضخم الذي يحمل هذه الأرض على قرنه فحينما يتعب يغيرها للقرن الثاني لاكتشف بعدما جرت مياه الزمن أنني كنت أشحن بخرافات ووثنيات ودجل متوارث ليس إلا لكن تبعاته النفسية على الأطفال وخيمة جدا واكتشفت أن هذه الأسطورة هندية قديمة لكن لا أحد يعرف كيف تسربت إلى ثقافتنا الشعبية الريفية التي تصير للأسف مصدرا معرفيا تربويا في أغلب الأحايين بدل المصادر العلمية الموثوقة.

 

 

رفقا بأطفالكم أيتها الأسر، علموا أبناءكم أن العلم سلاح، علموهم التدين العقلاني وعلموهم أيضا أن الله يعبد على علم لا عن جهل.. علموهم كيف يفسروا الأشياء بعقلانية وبحس نقدي بدل شحن أذهانهم كصناديق فارغة بالدجل حتى لا يكونوا ذوات طيعة في يد الذين يتاجرون بالبشر هواة الموت ..

مجموع المشاهدات: 378 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة