بوسلهام عميمر
يقول العلماء "المناسبة شرط" ونحن نعيش أجواء رمضان المباركة، كان لا بد من الوقوف
وقفة تأمل في عباداتنا التي تشغل حيزا هاما في حياة كل واحد منا، وعبادة الصيام في هذا
الشهر الفضيل بالخصوص.
ابتداء لا بد أن أشير أنني لست بحر زمانه في العلم لأصول وأجول في معنى عبادة الصيام،
و لا نحريرا في الأصول لأعدد مقاصدها على عادة جل من يتصدر المجالس لإعطاء
الدروس كل سنة، ولا خطيبا مفوها بصوت جهوري يصك الأسماع يحث مستمعيه على
عبادة الواحد الأحد الفرد الصمد، فلا يترك شاردة ولا واردة إلا و يوشي بها خطبه
العصماء من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأشعار و حكم وغيرها من أقوال السلف قالوها
في أزمانهم استجابة لحاجات أقوامهم في عصورهم.. ضمنا أو تصريحا فهو يتمثل المقولة
سيئة الذكر "ما ترك السلف للخلف ما يقال" يسقطونها على واقعنا وكأن الزمن ثابت راكد،
لا حركة فيه. متجاهلين أنه لكل زمن فرسانه يجتهدون لزمنهم ويجيبون عن أسئلته بآليات
علوم عصرهم.
ما يستعصي على الفهم، فعلى امتداد خريطة الوطن العربي هناك تشدد كبير في الامتناع
عن الأكل والشرب مهما كان عدد ساعات اليوم، وكيفما كانت الأحوال الجوية لا بد و أن
يصوم. كم واحد قد تخار قواه فيصبح على شفا حفرة من الهلاك، ولكن يستحيل أن يفطر.
لكن وماذا بعد هذا الصيام؟ أين هي معاني الصيام على أرض الواقع، سواء باعتبارنا
أفرادا أم مجموعات أم دولا عربية وإسلامية، خاصة في ظل هذه الجائحة المدمرة؟
فما علاقة الصيام الذي فرضه علينا ربنا مقرونا بالتقوى في الآية الكريمة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" بما هي عليه حياتنا
اليومية؟
بحثت عن تفسير لها في أكثر من كتاب، فلم أجده يتجاوز ما حفظناه في سنوات دراستنا
بالأقسام الابتدائية، (و أما تأويل قوله "لعلكم تَتقون "، فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام
وشرب الشراب وجماع النساء فيه) هكذا بالحرف.
"إذا بان السبب بطل العجب". التقوى هي الامتناع عن الأكل و الشرب والجماع. هكذا بكل
بساطة، فإذا امتنعت عن شهوتي البطن والفرج فأنت من المتقين. فهل يعقل أن ينال الصيام
شرف أن يكون أحد أركان الإسلام الخمسة بهكذا فهم قاصر ؟ ألا يمكن الجزم أن هذا الفهم
الساذج للصيام، هو سبب ما نعيشه من تشوهات سلوكية نراها في أسواقنا منذ اليوم الأول
من الصيام إلى آخر يوم فيه؟ عطشى و جوعى على استعداد لارتكاب أبشع الجرائم، نشل و
ضرب وجرح وغيره. أما باذئ القول وفحش الكلام فحدث ولا حرج. وإن كان هذا العام
مع الحجر الصحي خفت الوطأة كثيرا.
ألم يكن من المفروض أن يكون شهر رمضان شهر السمو الروحي والرقي في المعاملات
من إيثار و تسامح و تعاون و صدق وغيرها من قيم ديننا الحنيف؟
التاجر وهو صائم عينه على جيب المواطن شعاره "الله يجعل الغفلة بين البائع والمشتري".
كل مظاهر الجشع تطل برأسها في هذا الشهر الفضيل. الاحتكار، والزيادة في الأسعار، و
المستهلك وكأنه مقبل على مجاعة لا قدر الله. وطبعا لا نعمم فهناك دائما استثناءات، فالخير
في الأمة لا ينقطع أبدا إلى أن يوم الدين.
والأغرب عند الصلاة، وخاصة التراويح تضيق المساجد بالمصلين. صورة كاريكاتورية
تجمع كل المتناقضات وكأن شيئا لم يقع.
حتى إذا انتقلنا إلى مستوى الدول، في أكثر من بلد عربي فلا حرمة لهذه الشهر. الاقتتال
على أشده بين أبناء الوطن الواحد. القاتل وهو صائم ينعق بالتكبير، والمقتول صائم ينعق
بالتكبير. اقتتال بالنياية بطبيعة الحال. للأسف دول لها من الثروات ما لها، لكن بدل صرفها
في الدفع بعجلة العلم والتطور إلى مداه، وتحقيق الرفاه لشعوبها، ولم لا لمن بينها قواسم
مشتركة من عروبة و دين، نجدها تدعم هذا الطرف أو ذاك بهدف إطالة عمر الحروب،
نيابة عن بعض الدول العظمى التي لا يهمها غير ازدهار تجارة شركاتها العابرة للقارات
و خاصة تجارة السلاح.
