احتفالية رائعة بالأضواء في مباراة الجزائر وبوركينافاسو بملعب مولاي الحسن

مدرب الجزائر بيتكوفيتش: رغم الصعوبات، تمكنا من تقديم أداء قوي وتجاوز التحديات

زيدان وأسرته يحضرون مجددا لمؤازرة المنتخب الجزائري في كأس إفريقيا بالمغرب

مغاربة فرحانين بفوز المنتخب الجزائري أمام بوركينافاسو بملعب مولاي الحسن

لحظة وصول منتخب أوغندا لمدينة فاس

إبراهيم مازا سعيد باختياره أفضل لاعب في مباراة الجزائر وبوركينافاسو

في المسؤولية 5-بين المسؤولية الفردية وإسقاطاتها التعسفية

في المسؤولية 5-بين المسؤولية الفردية وإسقاطاتها التعسفية

سعيد المودني

تابع..

 

نصل إلى الموضوع قبل الأخير من هذه السلسلة، وهو المقال الخامس فيها، ونعرج فيه على الحديث عن وجه من أوجه المسؤولية خلق الكثير من اللبس. وهو ما يمكن أن نعرّفه هنا بالمسؤولية الفردية أو غيرها من المصطلحات التي ستلي.. وهي أقسام ثلاثة، أو ناتجة عن ثلاث مصادر: نوع مترتب عن تصرفات لا تمكن هيكلتها قانونيا(فوضى الطوابير...). وآخَر ناتج عن أفعال "غير مهيكلة" بنصوص منظمة مع إمكانية ذلك(رمي الأزبال...). والقاسم المشترك بين هذين النوعين أنها تبعات لا تنبني عليها بالضرورة أية عقوبة محددة أو ما شابه من إعمال مساطر الردع، أي عدم وجود الفعل المقترف داخل دائرة الممارسات المؤطرة بالقوانين المنظمة لسلوك الناس، المنصوص عليها في مدونة الجرائم والعقوبات، تطبيقا لقاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص".. لكنها تبقى أعمالا منبوذة اجتماعيا أو غيبيا أو هما معا.. أما الثالث فهو محصلة سلوكات مهيكلة قانونيا وأنشطة مضبوطة مسطريا، أي أنها تقع داخل المحظور المقنن، لكنها فلتت لعين ورقابة الراصد، أو لحُكم "المحتسب" الواقف على القانون، أو لكليهما.. وأهم وأوسع وأخطر قسم هو هذا، لأنه يتعلق بالإصرار على مناقضة المساطر الموجِّهة، اختلاسا أحيانا،، وتواطؤا أحايين كثيرة،، ومع هذا يعوَّل في تجاوزه على "الضمير"!!!..

 

ومبدئيا يختلف تقييم هذا الوجه من المسؤولية والنظرة إليه ونمط التعامل الإجرائي معه حسب نوعه، حيث يتطلب النوع الأول ضرورة ترسيخ السلوك القويم بالتربية والإعلام والقدوة. أما النوع الثاني فيجب أن يُضبط بتشريع مقنِّن ملزِم، وعدم الاكتفاء بالتوجيهات والمناصحة والمواعظ غير الملزمة(حافظوا على النظافة...). أما القسم الثالث، وهو الغالب والمؤثر والمسيطر والشائك، فمن جهة لو كان الرقيب قويا أمينا لن يفلت منه إلا اليسير النادر الذي لن يخلق إشكالية فارقة، ومن جهة أخرى فإن التجاوز لن يُعدم بحال، وغاية ما يمكن أن نطمح إليه هو تقليله للحدود الدنيا، وذلك بتوفير الحقوق والعدالة والراحة النفسية والاستقرار الاجتماعي أولا، ثم بالتربية والتوجيه الإعلامي وتعزيز القدوات كما سبق..

 

ولغايات في النفس، ومآرب تقضى بالترك أو بالوكالة، أريدَ لهذه المسؤولية المعنوية أن يعمم ويكتسح مدلولُها.. فتم الاجتهاد في سحبه و"استعماله" وتوظيفه والترويج له بشكل مدلِّس من طرف الطغاة المستفيدين من الوضع ومبرراته، الذين لهم مصلحة في دوام هذا النوع من المسؤولية كخدمة مجانية يتستّرون به، وتجسيده مشجبا يعلقون عليه كل إخفاق، وشماعة يضعون فوقها كل تواطؤ أو مؤامرة.. فاشتغلوا على تحوير معناه، حتى صار مناطا لتنازعِ الفرقاء حول دوره في واقع الناس المتردي، وجُعل وسيلة للاستقطاب، فأسال فيضا من المداد، وأثار الكثير من اللغط، وأصبح هو أكثر ما يتم استحضاره واعتماده عندما يتم التعرض لمفهوم المسؤولية، بل بات اختزالا كافيا ووحيدا له.. والطامة أن الحيلة انطلت على الكثير بمن فيهم غير الدهماء من الناس، فباتوا يعتبرونها في فساد المجتمع أكثر مما يعتمدون المسؤولية الإجبارية التعاقدية التي تربط الحاكم بالمحكوم!!!..

 

ولهذا التنازع وجهان أو بعدان أو إسقاطان، الثابت فيها أن المستبد هو الوحيد المستفيد منها جميعها.. فهي من جانب تنفي عنه تبعات المسؤولية الحقيقية، وتعفيه من مواجهة مطالب الناس بمحاسبته بصفته المسؤول القانوني، ما داموا يرون أن هذه المسؤولية الذاتية المتعلقة بكل فرد هي سبب البلاء.. ومن جهة أخرى فقد نجح في النفخ في النار وتأجيج سجالات لولبية حول أسبقية البيضة والدجاجة في الوجود، وتنزيلها على السابق واللاحق في الإصلاح والأوْلى بالمسؤولية: الشعب أم الحاكم، تكريسا لـ"قاعدة": "المشكلة تكمن في الشعب "غير المسؤول""، كما يراها(القاعدة) هؤلاء المهووسون بتبني هذا النوع المسؤولية كمبرر لبؤس الواقع، في تجاهل متغاب(من المساجلين) للتفريق بين الفردي الملازم لصاحبه، والمؤسساتي المتعاقد بشأنه، وإصرار على تأبيد جدل بيزنطي موجَّه مسيّر مقصود ماكر لدى البعض، وساذج أبله أخرق لدى الآخرين!!!..

 

إن ناظم هذه المسؤولية "الأولية"(Elémentaire) أنها ذات وازع قيمي، إما ذي خلفية عرفية أخلاقية، أو ذي باعث غيبي ديني.. وبالتالي فإن مفعولها لا يتعدى "المؤمنين" بالقيم بشتى أنواعها.. فرَغَبُ ورهب الالتزام بها منوط بالتعزيز النفسي أو الثناء المجتمعي أو المصير الأخروي، ولا يؤمن بها من لا يؤمن إلا بالنفعية المادية اللحظية.. فهي إذن غير معممة عند كل البشر ولا يستشعرها كل الناس، وهي أيضا غير ثابتة في كل الأوقات حتى لدى من يؤمنون بها.. فـ"المجرمون" لا يستحضرونها ساعة الإجرام المضمون التنصلُ فيه من المساءلة

 

القانونية.. وكذلك لا يستحضرها من يقترف مكروها قيميا، حتى ولو كان يحرص -في العادة- على نيل شيء من رضى الناس أو النفس.. وهي، متى تملصت من المراقبة الخارجية، غير ملزِمة إجرائيا، ولا تخضع لسلطة زجرية.. غير أنها تبقى قائمة، متعلقة بذمة صاحبها يتحمل تبعاتها، معرضا للقصاص المحتمل الذي لن يفلت منه، في الحال أو المآل(إلا بعفو من صاحب الحق)، ما دام لم يعاقب واقعيا بإعمال مقتضيات المسؤولية القانونية من طرف صاحب الاختصاص، القيّم على الحق العام، لتنتقل، آنذاك، من المجال المعنوي إلى الحيز الإجرائي الناجز.. فإذا تم هذا التفعيل سقط كل أثر لها، لأن العقوبة لا تقع مرتين على نفس المخالفة..

 

إذن، فالقمين باستجلاب الرقابة الذاتية، بصفتها محضن هذه المسؤولية الآلية، هو استحضار البواعث والقيم المعنوية للمجتمع المعني، وأكثرها غيبي ديني، وفي حالتنا هي مسؤولية شرعية إسلامية في مجملها، ملقاة على كاهل المسلم الراشد المتعلم، المتعلق بالوازع المطلق، الخفي، الدائم، المفترض أن يلازمه في خلواته وجلواته ليذكّره بمصيره، فيعززه حال العزم ويردعه حال الخوار، كي ينهض ويجدّ ويكد، لأن المفترض في السعي أن يكافئ الجزاء، وبما أن عقيدة المسلم مؤسسة على أن الفوز النهائي لا جزاء فوقه، كما أن الخسران لا عقاب دونه، باعتبارهما نتائج الوجود المطلق، فإنه يفترض في المسلمين أن يجسدوا أصدق ممثل للمؤمنين بالقيم المعنوية،، ومع هذا لم يكفِ هذا الوازع، على عظمة شأنه، أن يكون حائلا قارا ثابتا دون حدوث الإقدام حيث يجب الإحجام، وسيطرة الإحجام أين يتوجب الإقدام، مع هول المآب وفظاعة العاقبة..

 

في الأخير، يمكن أن نورد تمثيلا للمسألة باستذكار ما يحدث أثناء النزاعات العسكرية، وما يترتب عليها من محاكمات للقادة وعفو أو تساهل للقواعد المنفذة(الجنود)، مع أنهم هم من قاموا فعلا بالفعل المباشر المؤدي للضرر، لكن وبفعل مبدأ "الطاعة الواجبة" التي يخضع المأمورون لها، فإن المسؤولية الجنائية المؤسساتية تنتقل مباشرة إلى الرؤساء الآمرين، وطبعا هذا لا يعفي الجندي القاتل(مثلا) من مسؤوليته "المطلقة" في إزهاق روح لم تكن حياتها تشكل له تهديدا، فيعاقب على ذلك معنويا بتحقير الذات، وانتظار حساب يوم البعث لمن يؤمن به، في حالة المشاركة في حرب باطلة ابتداء، أو التجاوز والإفراط والشطط في الاستعمال غير المتكافئ ولا الضروري للقوة.. فالقواعد التي هي أداة التنفيذ المباشر لا تحمّل مسؤولية شن الحرب مبدئيا، ولا مسؤولية سير العمليات القتالية وما جرى فيها، ولا تساءل حتى عن الإنجاز المنتظر بين الخسارة والانتصار!!!..

 

إن المسؤولية القاعدية لا تنتفي عن أي فعل، لكنها تقع تحت مسؤولية الوصي الرسمي على ضبط الناس وإلزامهم، وإلا نعيد طرح السؤال المحوري الجامع: ماذا لو أراد الناس الجنوح إلى نزعاتهم وميولهم النفسية التي لا يخلو منها شخص؟ ما دور الوصي المتعاقد إذا لم يكن اللجم؟؟!!!..

 

لا يمكن تحميل مسؤولية الوضع للشعب المقهور، لكن مسؤولينا، ومعهم بعض ممن هم منا وعلينا، رأونا نفتقد إلى أدنى قسط من مسمى العدل والعدالة، فسعوا إلى تعويضها بالعدالة والمساواة في تعميم توزيع الاتهام علينا، كي يريحوا "ضمائرهم"، والأهم،، يطمئنوا على مستقبلهم!!!..

 

كما مرّ في مناسبة سابقة، لم تنتف المسؤولية المبدئية مِن، ولا عن شعب، كما لا يمكن تصور أن يتغير -بمقتضى "إدراك طارئ للمسؤولية"- أفراد شعب تلقائيا، وجماعيا، وفي دفعة واحدة في نفس الوقت ليتغير المصير.. ومع هذا فقد تغير الحال -إيجابا أو سلبا- عند العديد من الأمم بتغير القادة أو استبدالهم، وحتى ما تم عن طريق ثورات شعبية، فإن قادةً هم من نظموا وقادوا تلك الحراكات..

 

كما تمت الإشارة في مقال سابق، الدين الذي هو المرآة الحقيقية لهذه المسؤولية الباطنية بالاستحضار الدائم للرقيب جل وعلا الذي لا تخفاه خافية، ويوجب الإخلاص لتقبل عمل العباد، ومع ذلك قد فوض سبحانه وتعالى لعباده حراسة عباده وحثهم على القيام بالعبادات، ناهيك عن المعاملات..

 

أما هذا الجنوح، فهو محض إمعان في إسقاط طوباوي متعسف لمفهوم مجرد للمسؤولية على حال أمة أرداها مسؤولوها الفعليون!!!..

 

 

يتبع..


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة