الرئيسية | أقلام حرة | المساومة بين الاستقرار والعدل

المساومة بين الاستقرار والعدل

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
المساومة بين الاستقرار والعدل
 

لا يُملّ من تكرار التشخيص: سيادة الاستبداد، وشيوع نتائجه، وتدوير مدخلاته ومخرجاته في المزارع العربية، والمظاهر تغول الطغم الحاكمة، وانعدام المحاسبة، وتخلف حضاري، وانحطاط اجتماعي...

 

الشاهد هذه المرة التأمل في ترسيم وفرض حل شاذ لمعادلة التعاقد بين الحاكم والمحكوم، ومقتضى هذا الحل هو الاختيار بين مُتعينيْن سيئين دون إمكانية اعتماد الحل الثالث الملائم، أو ما يمكن تقريبه بما سبق أن ذكره السيسي مفتريا على من سبقه: "يا نحكمكم، يا نقتلكم"..

 

والحلان الوحيدان المقترحان يلخصهما "المثل" بالدارجة المغربية، ويطبق محتواه في كل الضيعات المذكورة،، من المحيط إلى الخليج: "مخزن ظالم ولا رعية سايبة "..

 

وللإنصاف، فإن المثل يمكن أن يرقى إلى "حكمة"، شريطة ألا يوجد حل آخر. ذلك أنه في حالة ظلم الحاكم، فإن كل فرد من أفراد الشعب يناله سهم واحد من الظلم المسلط عليه من طرف ذلك الحاكم، أما في حالة الـ"رعية سايبة"، فإن كل فرد من أفراد المجتمع يمكن أن تصيبه سهام ظلم كل باقي أفراد المجتمع الآخرين..

 

والحال أنه ليس قدَرا أن يخير الناس بين السيء والأسوأ، لأن مجموعة الحلول لا تقتصر على هذين العنصرين فقط، بل تتضمن أساسا الحل المتعاقد بشأنه: رعاية شؤون الناس وفق القواعد المجتمعية المسطرة. إذ يمكن، بل يجب رفع "ظلم المخزن"، تماما كما يجب منع "سيبة الرعية"، كما يُفترض نظريا، وكما هو الحال واقعا في الدول المحترمة..

 

الإشكال أنه حتى توظيف النص لا يتم بالأمانة اللازمة، إذ يتعلق أن الأمر في "القاعدة" بتقديم "تغول" الدولة وليس "تغول" النظام، وشتان بينهما.. حيث أنه في حالة قوة الدولة يكون البأس -في أقبح الأحوال- مسلطا على الجميع في الداخل، دون تمييز، ويصل مداه أيضا إلى الخارج.. وهي حالة تحقق شعورا بالمساواة، كما أن تَحقق هيبة للدولة على المستوى الخارجي، قد تعوض نشوةُ الإحساس بها مهانةَ الإحساس بالظلم.. أما في حالة جبروت النظام فإنه يحقق نتيجة "أسد عليّ وفي الحروب نعامة"، أو "خاف منو وخاف عليه"، أو "غلبوه ف السوق، جال ل لمرا يدق"... وفوق ذلك بانتقائية.. وهي لا تحقق إلا مصلحة العصابات الحاكمة..

 

وطبعا لكل قاعدة استحقاق، وهو هنا أن تسكت الشعوب وتنكفئ عن أية مطالب أو احتجاجات.. فحتى لو ظلم الحكام، يجب على المحكومين أن يسكتوا،، حتى لا تقوم الفتن!!!..

 

والطامة أن يروج لمثل هذا الهراء الكثير من المغرضين، سواء من العملاء المتعاملين أو من المغفلين، بدل أن يطلبوا من الظالمين أن يكفوا ظلمهم، لأنهم الأولى بذلك والقادرون عليه، فهم من يشعلون الفتن وهم المطالبون بإطفائها، أما المظلومون فطبيعي أن يحتجوا كأبسط رد فعل بشري.. ولا أحد يمتلك الشرعية القانونية أو الأخلاقية أن يطالبهم بالكف عن ذلك..

 

إن الوضع يمكن أن يشبّه بمشهد مر فيه أناس بشخصين يتعاركان، فأرادوا فك الاشتباك، وهو المأمول.. غير أنهم مسكوا الضعيف، الملقى على الأرض، المضروب، المجروح، الأعزل... وتركوا القوي، الواقف، المسلح يمارس هواية مصارعة المقيد،، حتى لا تكون فتنة!!!..

 

في كل هذه المستباحات العربية، عندما يخرج الناس للشارع، فإنهم يفعلون ذلك للتعبير عن امتعاضهم من الوضع والاحتجاج عليه، وللمطالبة بتغييره بما يوفر العدالة والكرامة والمساءلة،، وكل ذلك بشكلي سلمي حضاري، ومع ذلك لا تتقبل الأنظمة..

 

إن نظما يضيق صدرها وتهز أركانها كلمات مواطنيها، وتكدر صفو عيشها معارضتهم، ولا يعجبها غير سير القطيع وقول نعم "العام زين"،، لهي حقا أوهن من بيت العنكبوت.. نظم تقتات على أبنائها لن يكتب لها أن تعمر طويلا.. نظم تستأسد على المستضعفين وتحابي المقلين والفسقة، وتضيّق على المجيدين المجدين والنزهاء حقيق بها أن تندحر..

 

باختصار مفيد، لن يهدأ للناس بال ولن يتراجعوا عن المطالبة بالإعمال الفعلي والحقيقي للديمقراطية كآلية بشرية مبتكرة ضامنة للازدهار و الاستقرار على السواء، بما تتيحه من محاسبة شعبية انتخابية ومحاسبة قانونية قضائية بفعل غلق دارة المراقبة حتى يصبح كل مكون في النظام السياسي أو التقني مراقَب ومراقِب، ما يمنع كل إمكانية لعقد أية صفقة في أي مستوى من المستويات.. هذا من الناحية المادية..

 

أما من الناحية المعنوية، فإن من يطالب باعتماد الصرح الديمقراطي يستند إلى حقه بالإحساس بالكرامة -بدل التفضل- بصفته مواطنا يجب أن يكون له رأي في شؤون بلده، لأن الحر لا يقبل تكرما في بلده ومن رزقه.. ما دام غير لاجئ في ضيعة أحد.. كما أنه يروم ضمان سيرورة المؤسسات بالشكل المتفق عليه بعيدا عن التقلبات المزاجية أو تدخل أطراف أخرى تغير مسار السفينة..

 

 

الأكيد أنه لا يمكن للناس أن يبقوا بين مطرقة الدكتاتورية وسندان الفتنة،، ما دام ليس مستحيلا التوفيق بين الاستقرار والعدل، ولا شرطا أن يرتبط الاستقرار بسيادة واستمرار الظلم..

مجموع المشاهدات: 568 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة