بوسلهام عميمر
رأي أعتقد أنه يستمد وجاهته بناء على مجموعة من المعطيات، أبسطها كالتالي:
ü أولا باستعراض خريطة أحزابنا السياسية، قرابة الأربعين حزبا، فهل من حزب
واحد له من أطر الدولة الأكفاء، و له من مراكز البحث الاستراتيجي، و الخبراء في مختلف
المجالات، ما يؤهله ليتحمل تسيير الشأن العام أكثر من ولاية واحدة، أم هو فقط التشبث
بالكراسي من أجل الكراسي؟
علما فالالتفاتة الملكية برفع الدعم المادي للأحزاب في إحدى خطبه بمناسبة افتتاح البرلمان
كانت واضحة، لتخصيص جزء منها لفائدة الكفاءات في مجالات التفكير والابتكار، و كذا
تطوير أساليب عملها، حتى إذا كانت على موعد مع تحمل المسؤولية تكون في المستوى
المطلوب. فإلى أي كانت الأحزاب في مستوى الالتفاتة السامية، و التزمت بمقتضياتها؟
ü في انتظار تكتلها في حزبين كبيرين أو ثلاثة أو أكثر بقليل، على غرار
الديمقراطيات العريقة للتداول على السلطة، فلم لا يتم تحديد ولايات الأحزاب لتشكيل
الحكومات في ولاية واحدة، حتى يُفسح المجال لأكبر عدد منها للتمرس على تسيير الشأن
العام، خاصة ونحن لا نزال في مرحلة الانتقال الديمقراطي، كما تم العمل به بخصوص
اللائحة الوطنية للنساء واللائحة الوطنية للشباب، فتكون أيضا مناسبة للحزب الذي تولى
السلطة أن يخرج بقليل من ماء الوجه، و بأقل الخسائر، بدل العض على المسؤولية
بالنواجد، حتى يفقد كل رصيده فيقعد ملوما محسورا، ينتظر السقوط المدوي من القمة إلى
السفح، ليجد نفسه بين الأحزاب الصغيرة، التي لا يعرف أحد بوجودها إلا خلال المواسم
الانتخابية. فبدل صرف الجهد للنضال من أجل قضايا المواطنين الكبرى، ينحصر نضاله
في خفض العتبة حتى يتسنى له تكوين فريق برلماني يسمع صوته من خلاله، وهو الذي
كان زعماؤه يعتقدون أن شمسه لن تعرف الغروب أبدا.
ü فلما نتحدث عن تسيير الشأن العام، فهل هي نزهة مؤدى عنها؟ أم هو وسيلة
للاغتناء بدون عناء، أم هو فقط تسابق محموم لتصدر المشهد السياسي، و لو بعدد قليل من
الأصوات في ظل ما باتت تعرفه المحطات الانتخابية من عزوف كبير بسبب السياسيين
أنفسهم الذين خلال الحملات الانتخابية يغرقون المواطنين بالوعود، حتى إذا جد جد تحمل
المسؤولية يقلبون لهم ظهر المجن. فمن ينسى ما فعله رئيس الحكومة السابق بتقاعد
الموظفين، علما فلا ناقة لهم فيما حصل لصناديقها ولا جمل؟
فهل المسؤولية هي فقط عدد الكراسي الوزارية، يتباهى بها من يتولاها بما أنها تبيض
ذهبا، أم إن تسيير الشأن العام هو غير ذلك تماما؟ إنه عمل شاق في سبيل الرفع من مستوى
المواطن، و تخطيط دقيق لبلد ساكنته تقارب الأربعين مليون نسمة. بلد ليس كأي بلد. إنه
يجر وراءه تاريخا عريقا يمتد لأكثر من عشرة قرون، وجغرافيا جد حساسة بين بحرين،
و صلة وصل بين قارتين إفريقيا وأوربا، جعلته موضع مناكفة من بعض حكام جيرانه،
ممن يصرون على موقفهم العدائي له، فيضيعون على المنطقة برمتها فرص تحقيق التنمية
لشعوبها.
فالتسيير إبداع للرفع من نسبة النمو الاقتصادي بما يتناسب ومنطق السوق العالمية، و
بتحسين الدخل الفردي للمواطنين و بخفض نسبة البطالة، ومواجهة أذرع الفساد المستشرية
في أكثر من قطاع، وتحسين مستوى صحتهم، و الرفع من جودة تعليمهم، بدل ما نراه اليوم
من بؤس في التسيير على أكثر من صعيد، فلا يجدون غير جيوب المواطنين المضروبة
أصلا، ليرتقوا بها ميزانياتهم السنوية.
أعتقد من خلال تجربتنا، فما الذي يمكن أن يضيفه أي حزب يتولى رئاسة الحكومة لولايتين
متتابعتين، أكثر مما نراه اليوم من تخبط في المواقف على لسان رئيس الحكومة (كوفيد 19
نموذجا) حتى أصبح مادة دسمة للسخرية والتهكم، دون الحديث عن كرة المحروقات
الملتهبة، وملف التعليم الذي لم يزدد إلا تعقيدا، مع العجز التام في مواجهة جشع أصحاب
التعليم الخصوصي، وقس على ذلك القطاع الصحي وغيره.
