الرئيسية | أقلام حرة | حكومة البركة

حكومة البركة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
حكومة البركة
 

لا ضير في أن يعتقد المرء بأنه شخص خيِّر وذكي وأن الله راض عنه وساخط على أعدائه، ولا عجب في كونه يغير ميزان حكمه على الأشياء في كل لحظة وحين بما يتناسب مع اعتقاده؛ لكن أن يمس هذا الداء اللعين حزبا سياسيا يقود الحكومة حتى يدعي بأنه هدية من السماء، فهذا ما لم يقله حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه وهو الرحمة المهداة للبشرية جمعاء.

 

يحمل هذا الادعاء البغيض في ثناياه منسوبا عاليا من العجرفة والكبر والاعتداد بالنفس، ومستويات غير مسبوقة من إلغاء الآخر وازدرائه، فإذا كان هذا الحزب يدعي بأنه منحة ربانية فلأنه يرى غيره محنة شيطانية سُلطت على رقاب البلاد والعباد، وإذا كان يعتقد نفسه هدية ممنوحة من فوق سبع سماوات، فلأنه يرى غيره مجرد صنف رديء من الناس يجوز احتقاره وإبعاده والسخرية منه.

 

من المؤكد أن خطاب الطهرانية والمظلومية وشيطنة الآخر هي السمات البارزة في خطاب من يتاجرون بالدين ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا؛ لهذا فقط تجد رَدَّة فعل الشعب اتجاه زلاّتهم أكبر من رَدَّته اتجاه زلات غيرهم، كما تكون صدمة الشعب وهو يتفاجأ بفضائحهم أعظم بكثير من صدمته وهو يطالع فضائح غيره.

 

ويأبى الله تعالى إلا أن يفضح على رؤوس الأشهاد من يدَّعون بأنهم "أبناؤه" وأحباؤه وعباده المخلصين، يكفي أنهم حكموا في زمن لا يقل شؤما عن زمن المجاعة والكوليرا والطاعون، وأن الناس في زمانهم هلكوا من نفاد الدواء في الصيدليات، ونفاد قارورات الأوكسجين في المستشفيات، وأن هذه المستشفيات من شدة اكتظاظها لم تعد أصلا تستقبل أحدا، وأن موتانا في عهدهم صاروا في كثير من الأحيان يُدفنون ليلا دون علمنا، ودون أن نُغَسِّلهم أو نُكَفِّنهم أو نصلي عليهم، أو حتى نشيعهم لمثواهم الأخير، بل وأحيانا لا ندري حتى أماكن قبورهم، هذا كله بفضل حكومتنا الطاهرة التي نزلت من السماء، والتي يبدو أن بركاتها الجامحة شملت العالم أجمع وليس فقط بلدنا الحبيب.

 

لقد صارت مساجدنا مغلقة، وحجُّنا عاد محرما، وسفرنا بات ممنوعا، وصلة أرحامنا غدت بدعة، ومأدباتنا وأعراسنا رجعت خفية وكأننا نتاجر في المخدرات، وحتى الأعياد التي كان ينتظرها أطفالنا بفارغ الصبر لم يعد ينتظر قدومها أحد.

 

 

قد يقول تاجر دين خفيف الظل بأن حزبه ليس من صنع الفيروس اللعين في مقر الحزب المركزي بالرباط، هذا صحيح، ولكن بالمقابل، ليس هو أيضا من ألَّف بين السحاب فهطلت الأمطار كي يدَّعي، بلا خجل أو استحياء، بأنه هدية من السماء.

مجموع المشاهدات: 935 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة