بوسلهام عميمر
من منا لا يذكر يوم الإعلان عن تأسيس اتحاد المغرب العربي ((uma في ثمانينيات القرن
الفائت بمدينة مراكش بين دول شمال إفريقيا الخمسة، المغرب والجزائر وتونس وليبيا و
موريطانيا.
أتصور، وقد مر على تأسيسه قرابة أربعين سنة، لو تم تفعيل جزء من مقتضياته و تحقيق
بعض أهدافه من مثل تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها
ببعض، و تحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها، هل كانت حال المنطقة
المغاربية على ما هي عليه اليوم؟
هل كان سيحدث للشقيقة ليبيا ما يحدث لها الآن، إذ أصبحت مطمع أكثر من دولة أجنبية
ومسرحا للتطاحن بين أبنائها، تنفيذا لأجندات خارجية ليس لسواد عيون الليبيين بقدر ما
هو من أجل سواد عيون البترول وما تكتنزه أرضها من ثروات. صراع على أشده بين
الإخوة الأعداء لسنوات بلغ حد الاقتتال فيما بينهم وإزهاق الأرواح. وهو ما يحاول المغرب
منذ مدة لرأب الصدع بينهم بكل ما أوتي من إمكانيات، في أفق التوصل إلى اتفاق يجنب
ليبيا شبح الانقسام، بجمع كل الفرقاء الليبيين بمختلف أطيافهم على طاولة واحدة للمفاوضات
المباشرة، تلقى مبادرته بكل من بوزنيقة و الصخيرات واليوم بطنجة إشادة ومباركة
مجموعة من الدول ومنظمة الأمم المتحدة التي تنتظر مخرجات المبادرة المغربية.
مفارقة غريبة وعجيبة بالمنطقة المغاربية، ففي الوقت الذي يسعى فيه المغرب جاهدا
انسجاما مع قناعاته الوحدوية، و وفق ما ورد في أهداف الاتحاد المغاربي، للحفاظ على
وحدة ليبيا و تجنيبها خطر الفرقة و الانفصال وشر الاقتتال، كما تخطط له بعض القوى
الخارجية، نجد حكام الجزائر للأسف لا همَّ يشغلهم غير فصل الصحراء المغربية عن
وطنها الأم، بزرع كيان وهمي على مقاسهم، يأتمر بأمرهم وينتهي بنهيهم.
أتصور لو تم الشروع في تنزيل بند واحد من اتفاق التحاد المغاربي منذ تاريخ إنشائه،
والمتعلق بتفعيل فتح الحدود لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع ورؤوس الأموال فيما
بينها، هل سيكون حال شعوب المنطقة هو ما تعيشه اليوم من تخلف على أكثر من صعيد،
طبعا على تفاوت فيما بينها؟ كل سنة يقول الخبراء تفقد المنطقة نقطتين على سلم التنمية،
ينعكس سلبا على مواطنيها؟
هل كان شباب المنطقة المغاربية، أمام ضيق ذات اليد، سيضطرون ليعرضوا أنفسهم لخطر
الموت في عرض المتوسط، طمعا في الانتقال إلى الضفة المقابلة بحثا عن الكرامة و لقمة
العيش؟
ما الذي ينقص المنطقة لتكون قبلة لغيرنا، يتسابقون ليجدوا لهم موطئ قدم على أرضها؟
يكفي مساحة دولها الخمسة، أكثر من ستة ملايين كلم مربعا من المحيط الأطلسي إلى حدود
مصر، تفوق مساحة الاتحاد الأوربي بدوله التي تقارب الثلاثين دولة، وعدد سكاني يتجاوز
مائة مليون نسمة. هذا فضلا عن التكامل الاقتصادي الهائل، دون الحديث عن الركائز
الأساسية الداعمة لتمتين أواصر الاتحاد، من دين ولغة وتاريخ مشترك و جغرافيا وعادات
وتقاليد.
فكل المقومات متوفرة لخلق قطب اقتصادي كبير، ومنطقة جذب للرساميل الأجنبية. ولكن
للأسف لحكام الجزائر رأي آخر لا تهمهم مصلحة المنطقة المغاربية، بقدر ما تهمهم
مصالحهم الشخصية، بما أن الوضع الحالي يزود أرصدتهم البنكية، ويخدم أجندتهم
السلطوية في وجه أي تغيير نحو الديمقراطية، ودولة المؤسسات و دولة الحق والقانون.
إلى متى تبقى شعوب المنطقة على هذه الحال من الفرقة بسبب تعنت عسكر الجزائر
وسعيهم لصد أية محاولة على درب حلحلة قضية صحرائنا المغربية؟
إلى متى يظل عسكر الجزائر رهينة عقود الحرب الباردة، التي انتهت من زمن بين أقطابها
" مالين الدار صيرو والعزاية كفرو"؟
ألم يحن الوقت بعد لطي صفحات الماضي والتوجه نحو المستقبل الذي لم يعد للكيانات
الصغيرة والدول منفردة مكان مهما كانت قوتها ومهما بلغت ثرواتها؟
التاريخ لا يحابي أحدا، بماذا سيجيب جنرالات الجزائر الأجيال القادمة حول مسؤوليتهم
الثابتة في تعطيل تنزيل بنود الاتحاد المغاربي على أرض الواقع، بما يعود على شعوب
المنطقة بالرفاه، بدل البؤس الذي تعيشه بعضها رغم ما تزخر به المنطقة من ثروات من
شأنها أن تحقق الاكتفاء الذاتي وأكثر. رحم الله الشاعر لما قال:
كالعير في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول
