احتفالية رائعة بالأضواء في مباراة الجزائر وبوركينافاسو بملعب مولاي الحسن

مدرب الجزائر بيتكوفيتش: رغم الصعوبات، تمكنا من تقديم أداء قوي وتجاوز التحديات

زيدان وأسرته يحضرون مجددا لمؤازرة المنتخب الجزائري في كأس إفريقيا بالمغرب

مغاربة فرحانين بفوز المنتخب الجزائري أمام بوركينافاسو بملعب مولاي الحسن

لحظة وصول منتخب أوغندا لمدينة فاس

إبراهيم مازا سعيد باختياره أفضل لاعب في مباراة الجزائر وبوركينافاسو

ماكينة الإغراء بالكرة

ماكينة الإغراء بالكرة

سعيد المودني

أعلم أن الظرف ظرف التطبيع، والمشاهدة المباشرة في الملاعب وفي المقاهي معلقة مؤقتا، لكن لي سياقا ونسقا محددين سلفا أود إنهاءهما.. ثم إن التوظيف لا يزال مستمرا، بل ربما يكون الربح من الاشتراك الفردي أكبر..

وعليه، أعود إلى الموضوع..

اللغط الذي يثيره "إدمان استهلاك الكرة" والتعصب لها لا يمكن أن يختفي ما دامت مسبباته باقية.. لا يمكن تبرئتها -على الأقل بسهولة- من تهم الاختراق والتوظيف والتوجيه،، فضلا عن التلاعب.. فهي تبقى، في نظر كثير من الناس، ماكينة الإغراء والصناعة والتحكم التي تستثمر في البشر للسبب الاستراتيجي المذكور،، وأيضا لهدف الاغتناء من جيوب المتابعين "المخلصين".. وقد نجحت نجاحا باهرا في مهمتها بشقيها الاستراتيجي "التشتيتي" و"العرضي" المالي.. بل عرفت "طفرة جينية" ثورية حيث أنها نسخت نفسها في "بضاعتها/ضحاياها"، حتى أصبح الجيل السابق ماكينة وفيّة تؤطر الجيل اللاحق وتزرع فيه "روح وجسد" "فريقها المفضل"، بدل زرع ما هو(الجيل السابق) مأمور به!!!..

وللتأمل في دقة الانطباع/الحكم، يمكن من جهة رصد حجم الاهتمام الموجه لـ"اللعبة" إلى درجة تلامس الحصر والفرض، والتساؤل عن سر ذلك، وقوة المؤسسات القائمة على ذلك، ومن جهة أخرى افتراض حالات مختلفة، وتأثير تلك الحالات المفترضة في مآل الواقع..

بخصوص المؤسسات الوصية، لا خلاف أن "الفيفا" صارت إمبراطورية كونية،، بل أعظم إمبراطورية على الإطلاق التاريخ والجغرافيا.. لا تفتقد جنسية، ولا تغيب عنها شمس، ولا تجهل لغة، ولا تعدم عملة.. قولها فصل، وقانونها نافذ، وإرادتها محققة... فقد جعلت اللعب أولى وأهم من الجد، ودخْل اللاعب أعلى من دخل الجراح ودخل المخترع ودخل المهندس ودخل الصانع ودخل الفلاح ودخل الكادح مجمَّعين.. وأحالت سوق اللعب أروج سوق، ووقت اللعب أطول وقت وأكثره إشهارا، وتوقيت اللعب أشهر حدث لا يجهله إنسان، وساعة اللعب أجلّ احتراما تعلَّق فيها كل الواجبات.. فهي باختصار قد عطلت العبادات، والقيام بالأشغال والمهمات، وإنجاز الواجبات، وخلقت بين الزوجين الشجارات، وبين الآباء والأبناء المشاحنات، وبين الإخوة المناكفات.. وبسببها خسر أناس أرواحهم أو عافيتهم، وخسر آخرون أموالهم وممتلكاتهم القارة والمنقولة، وسببت الضرب والجرح والشتم والتخريب والحرق...

نعم، سببتْ كل هذا وأكثر، ولا يقولن قائل، إنما هي حماقات الناس وخياراتهم، لم يجبرهم مجبر على الهوس بها، ولا تصريف ذلك الهوس هذا التصريف.. فالناس يوجَّهون ويعبؤون ويحرضون،، فيتّبعون وينفذون ويقلدون، وهذا في كل الأعصار والأمصار والمجالات والميادين.. ولو كان غير الاهتمام والتوجه والتوجيه لاتبعوا، بل القصد هو خلق هذا الاتباع والقدوة والتقليد، ذلك أن إحداث مراكز الاهتمام والتداول إنما يحدث عن طريق توجيه السياسيين والنخب لدفات النقاش في الواقع والمواقع، فيثيرون أرضيات ويركزون عليها، ويغنونها بالتحاليل ويطعّمونها بالأخبار والمعطيات ويحضون العوام على الدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية في وجه المستبد القريب وموكله البعيد،، أو "يغرقون السوق" في "نفايات" اللغط!!!..

إنه الحرص الحريص الحصري على ملء كل الوقت والاهتمام بـ"اللعبة"، بين ممارسة مهيكلة أو عشوائية، فمن فضُل له فضْل وقت استنفذه في المشاهدة الحية أو المباشرة أو المسجلة، فما استُبقي استُنزف في التحاليل والمرافعات والتوقعات،،، وكل هذا بتحريض مؤجَّج مؤجِّج ممنهج عبر وسائل الإعلام، من طرف من له المصلحة والقدرة،، بحيث لا تتبقى لحظة فراغ ولا مثقال اهتمام لغير ما أراده "القادة" من الإغراق في الخوض في التفاهة..

لماذا إذن كل هذا الجهد وهذا الحرص؟؟!!!..

سيقول كثير من الناس أن الأمر مجرد تجارة وسعي لجمع المال في سوق لا يضبطه ضابط فيستغله الشاطرون لملئ خزائنهم ونفخ حساباتهم.. وهو كلام تعتريه نسبة كبيرة من الصحة.. فالمال حاضر، وبقوة، غير أن هناك ما هو أهم منه وأضمن للسيطرة الكاملة الآنية والآجلة الضامنة استقبالا لحلب وجلب وترصيد هذه المادة، لكن أيضا، ومن باب أولى، ضمان السيطرة على الفكر والعقل والعاطفة والروح لتأبيد التبعية والانقياد وعدم المقاومة، عبر خلق وتوجيه والتحكم في الرأي العام!!!..

السهل هو اتهام متبني هذا الطرح بالهوس بنظرية المؤامرة.. والحال أن المؤامرة قائمة بالفعل، ولئن كان المجال قد يضيق بالتفصيل فيها، إلا أنه لا يمنع الإشارة إلى التسابق والتكالب للسيطرة على كل المؤثرات العصرية من أجل تشتيت الكم البشري تلقائيا، قبل اللجوء الاضطراري إلى الترهيب البدني والمادي والمعنوي المباشر عند الاقتضاء.. ولعل تشجيع "استهلاك" الكرة والإدمان عليها أحد أهم وسائل هذا التشتيت والإغراء والإغراق باستعمال يدين مختلفتين في الظاهر: يد تحصر النقل لسف عرق المشاهد في مداخيلها، وأخرى تظهر "تعاطفا ملائكيا" مع "المحرومين" فـ"تدمقرط" المشاهدة -عبر طرق عدة، منها "المشروع" ومنها "غير المشروع"- وتتيحها للجميع إلا من أبى،، وتفوز بالحسنيين: مال الإشهار، وإعجاب "القطيع" بالمنعم المتفضل على المحرومين، في تشويق "هتشكوكي" رهيب!!!..

إنهم لم يتجرؤوا للسير في منحى الإفساد والسيطرة هذا إلا بعدما أغرقوا الناس في التفاهات، وضمنوا انشغالهم في السفاسف..

هذا كان في ما يخص الجهد المبذول -عالميا- لتتييه الناس وتشتيتهم بين اللعب والسينما والموضة وكل أوجه اللهو والإفساد والتفاهة... حتى لا يلتفتوا لتكوين مركز ثقل أو نقطة ارتكاز يزاحم اختيار من يتخذ القرار لهذا العالم ويسبي أهله ويجني غلته..

في المحور الآخر، نفترض، مع الاهتمام "المعتدل" "المتزن" بالكرة أو غيرها من الهوايات، أن هذه الجيوش المجيشة في الملاعب الرسمية المهيكلة وفي ملاعب الأحياء غير المهيكلة، ووراء شاشات التلفاز في المقاهي وفي البيوت، وهذه التراشقات والحدة في النقاشات و"التحليلات" من طرف العوام والمتعلمين و"المثقفين" و"النخب"، الصغار والكبار، الذكور والإناث، في الواقع وفي الافتراض... أقول لو أن هذا الجهد صُرف في الأهم: نتخيل هذا حصل في ما يخص فساد الأنظمة السياسية واستبدادها وتسلطها واستئثارها بالقرارات والخيرات.. أو نحلم بأن هذا يحدث في يتعلق باحتلال الصهاينة لفلسطين واحتلال الإسبان للمناطق المغربية... أو نمني النفس أن ذلك وقع بخصوص تغول الغرب عموما وأمريكا خاصة وشنه حربه الحضارية ضدنا في أعقار دورنا!!!... لو حصل هذا لهنيهة، هل كانوا ليجرؤوا أن يصلوا بالمستضعفين إلى ما أوصلوهم إليه؟؟!!!..

فلنجرب إذن مقاطعة كل هذا الهدر المستشري المسيطر، وإثارة -بدل ذلك- فقط ما يرعب العصاباتِ المسلطةَ الخوضُ فيه، ولْنرَ ما يكون.. والتجريب لا يفسد للواقع قضية، ولا يضر استبدال سنوات، بل عقود، من الخوض في اللهو بأشهر أو فقط أسابيع من الخوض في ما ينفع الناس دنيا وأخرى..

تبقى ضرورية الإشارة إلى نقطتين جديرتين ترومان التوضيح أن المسألة ليست جزما بتسفيه ممارسة أو مشاهدة كرة القدم، هكذا بعموم وإطلاق..

أولا، هذا "الإدمان على الكرة" صار ظاهرة ومثارا للتداول والتحفظ والامتعاض بفعل غلو "المريدين".. أمَا لو أنه بقي في حدود العادي، ربما لم يكن الأمر ليطرح، فإذا ما أثاره أحدهم يكون مجاوزا، متزمتا، مضيّقا على الناس، منكدا مكدرا عليهم صفو حياتهم.. لكن الأمر على غير هذا المنوال.. بل هو النقيض من ذاك التوسط وإراحة القلوب ساعة كي لا تصدأ..

بالمباشر من القول، فإن الناس لا يعارضونها وجودا، لكنهم لا يختلفون في النهي عن الإفراط في الاهتمام بها والتطرف والتعصب في التعامل مع "أركانها"، وهو حال كثير من الغلاة. كما لا يختلفون حول توظيفها وتوجيهها والتوجيه بها(سواء من طرف امبراطورية "الفيفا"، أو من طرف الأنظمة،، خاصة المترهلة)..

ثانيا، التقييم يمكن أن يكون ذا مستويات، بحيث يكون ما مرّ من تحفظ قابلا للتعميم والإطلاق في العالم بأسره، حيث يمكن الجزم أن اللعبة موظفة، مخترقة، "مسيسة"...، غير أن تقييم الموقف منها يختلف حسب البلد، وهنا يكون الانتقال للمستوى الثاني الذي يختلف فيه الحكم بين الدول المحترمة، والكنطونات الوظيفية..

فبالنسبة للبلدان المسؤولة التي وفرت كل أسباب وأساليب الحياة الكريمة، بل والرفاهية لمواطنيها الحاليين وحتى المستقبليين، ولم يلتفتوا للعب حتى أنهوا "الجِد"، في هذه الدول يمكن للمواطن ألا يعترض على الإفراط في الاهتمام بشيء غير مفروض على العامة، خاصة في ظل وجود بدائل إعلامية تهتم بكل المجالات، بما فيها "اليوجا" لمن أراد،، دول تعتمد الجد حتى في اللعب!!!..

 

أما بالنسبة للمترهلين فإنه لا يستساغ تقبل هذا التجييش والحشد حتى ولو كان المبرر التقاط أو اقتناص نشوة نصر، ولو في اللعب، ما دامت حتى تلك النشوة تحسب للأنظمة الجاثمة، وليس للشعوب التي لا يسمح لها حتى بنسبة تلك النشوة أو الفرحة المنتحلة المستعارة.. حيث تسعى الطغم المستولية على مقدرات البلدان المستضعفة إلى استثمار أي "إنجاز" رياضي في التخدير وتبرير ما مضى والتأسيس لما يأتي، من أجل إطالة الاستبداد أو الاحتلال بالتدبير المفوض في منظومة سايكس-بيكو.. نظم تعتمد اللعب حتى في الجد، وتسعى أن تبقي الشعوب في حلبة اللعب،، لأن المستضعفين ليس لهم ما يراهنون عليه غير اللعب، ما داموا قد يئسوا من وجود "الجد" بينهم!!!..

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة