بوسلهام عميمر
رغم اختلاف المؤسسات الصحفية دوليا، فإنها تجمع على مبادئ بعينها، عنوانها الحقيقة
والدقة والموضوعية والمسؤولية أمام جمهورها ومتتبعيها. فهذه الأخلاقيات وغيرها هي ما
يضمن لمهنة الصحافة والإعلام، لتكون سلطة حقيقية بجانب بقية السلط، وترقى لتكون
الرقيب عليها.
فالصحافة في المجتمعات الديمقراطية تعتبر الوصي الأساس على عدد من الحريات
و الحقوق والواجبات. إنها عين الشعب على بقية السلط كافة. لكن "ماذا يصلح الملح إذا
الملح فسد". فإلى أي حد يلتزم الإعلام الجزائري بهذه الأخلاقيات والقيم في تعامله
مع بلدنا المغرب على الخصوص؟
من عقود، لا يمكن أن يمر يوم على الإعلام الجزائري المكتوب والمرئي والمسموع، دون
أن يكون للمغرب النصيب الأوفى من مغالطاته و تلفيقاته وقلبه للحقائق بشكل سافر، ضدا
على كل معايير الصحافة الجادة ولو في حدودها الدنيا، على عكس الإعلام المغربي بكل
تلاوينه ناذرا ما يلتفت لما يقع في الداخل الجزائري و خارجه.
نظرة عابرة على أحدى هذه الجرائد "الشروق أونلاين" تصادف العجب العجاب. فحوالي
عشر مواد كلها تخص المغرب بشكل مباشر، و كأنها أسست خصيصا له. فهل هناك
انحطاط أفدح من هذا؟ عدد واحد يتضمن كل هذا الركام من الأخبار، حبذا لو كان فيها
مثقال حبة من صحة و موضوعية.
أول خبر يطالعك بالبنط العريض تقرؤه وكان قيامة مدينة وجدة قامت ولم تقعد "شاهد مدينة
وجدة تنتفض ضد التطبيع" الخبر مصحوب ببضعة أشخاص محسوبين على رؤوس
الأصابع، لا يمكن تبيان على وجه الدقة على ماذا يحتجون. وللإشارة فحكاية الإعلام
الجزائري مع مدينة وجدة، ليست بالجديدة. سابقا العربي المساري أحد أعمدة الصحافة
المغربية رحمه الله، في زمن بعيد علق مستنكراعلى عنوان "قصف الواد الناشف"، ظل
الإعلام الجزائري يومذاك يروج له لمدة أسبوع. من يقرأ العنوان ممن لا علم له بالدرك
الأسفل الذي يهوي فيه الإعلام الجزائري، يعتقد أنها حرب ضروس طاحنة بين أهل هذا
الحي بوجدة وبين الجيش المغربي استعمل فيها القاذفات والراجمات، في حين فالأمر لم تعد
مناوشات بسيطة بين رجال الأمن و بعض المتظاهرين حول مطالب اجتماعية عادية كما
يحدث في كل أرجاء العالم. الخبر الثاني يقول "الجيش المغربي يواجه تسريبات خطيرة في
الصحراء الغربية". الثالث "مواقف ترامب تراجع بعد اجتماع مجلس الأمن بشأن الصحراء
الغربية". الرابع "الجيش الصحراوي يواصل استهداف نقاط تواجد جيش الاحتلال
المغربي". الخامس"التطبيع المغربي برعاية العدالة والتنمية" مصحوبا بكاريكاتور للعدالة
والتمنية يصلي في محراب مكتوب عليه "التطبيع". السادس الأخضر الإبراهيمي يقول "لو
تفاوض المغرب مع الصحراويين بسخاء مثل ترامب لحل النزاع". السابع "روسيا تهدد
بفرض حظر على خضراوات قادمة من المغرب". الثامن "مجلس الأمن يعتمد رسالة
للبوليساريو كوثيقة رسمية". التاسع عبارة عن تعليق طويل يتحدث عن صولات الجيش
الصحراوي وجولاته واستهداف نقاط تواجد الجيش المغربي" "القصف المدمر الذي
استهدف مواقع عديدة من الجدار الرملي على مدار الأسبوع المنصرم خلف دمارا كليا في
بعض قواعد الاحتلال المغربي المنتشرة على طول الجدار الرملي" "الجيش الصحراوي
يواصل دك معاقل قوات الاحتلال المغربي التي تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات
وسط تكتم شديد من الرباط" "أفادت مصادر عسكرية صحراوية عن معلومات دقيقة مفادها
أن 170 جندي مغربي تم تقديمهم للمحاكم العسكرية بسبب رفض المشاركة في الحرب في
صحرائنا الغربية" إلى غير ذلك من الهلوسات التي لا يخفى زيفها على أبسط متتبع،
فبالأحرى المتخصص الحصيف. أية سذاجة وأي مستوى منحط بنشر مثل هذه الأخبار
وكأن وقائعها تحدث بجزر الوقواق لا أحد يعلم بها غير الإعلام الجزائري؟ أي هراء هذا؟
المساكين يظنون أننا في القرون الوسطى أو قبل الميلاد. فهل يمكن أن تخفى على عدسات
كاميرات الإعلام العالمي حربا بهذا الحجم قتلا و جرحا ودمارا؟ إحدى التعليقات الطريفة
على ما يروجه الإعلام الجزائري ردا على ادعاءاتهم الزائفة هاته بأنه لو كان الاكتساح
بهذا الحجم لوصل البوليزاريو إلى مدريد.
إن ما يقوم به إعلام عسكر الجزائر لا يعدو أن يكون مداراة لإخفاقاتهم وانتكاساتهم
المتتالية، مع الاختراقات التي حققها المغرب خلال الآونة الأخيرة، بعثرت كل أوراقهم
إقليميا ودوليا؟
