لحسن الجيت
تاريخ زراعة الكيف في المغرب يمتد إلى مئات السنين. وبحسب المؤرخين كانت هذه النبتة تزرع ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر وبالضبط من عام 9018، ومنهم من يقول بتاريخ سابق. وفي جميع الأحوال فإن هذا التاريخ أقدم من تاريخ السيد عبد الإله بنكيران الذي يعارض مسألة تنظيم هذه الزراعة في إطار قوانين واضحة وشفافة تسمح لأهل هذه العشبة من المزارعين بممارسة مهنتهم بعيدا من هاجس الخوف والمطاردة. بينما لسان حال السيد بنكيران وكأنه يريد أن يقول لنا أن هذه الفئة محكوم عليها بالمكوث في مسلسل التهريب "والتبزنيس" والاشتغال بالسرية وإبقاء المزارعين تحت رحمة المطاردة الأمنية والقضائية.
السيد بنكيران حينما يعلن عن معارضته لتقنين هذه الزراعة وتقنين استخداماتها، يبدو أنه قد جعل من هذه القضية قضية شخصية يريد أن يفرضها على جميع المغاربة، بل أكثر من ذلك أنه تبنى هذه القضية غصبا على حزب العدالة والتنمية. وبعنجهية غير مسبوقة عوض أن يطرحها للنقاش داخل الحزب طرحها على الفضاء الأزرق المفتوح على العموم يهدد فيها بعض قيادات حزبه بنية أن يصفي مع بعضهم حسابات قديمة، وكذلك بنية عزلهم في محاولة يائسة لكي ينفرد بالحزب ويستعيد تلك القيادة التي ضاعت منه، وبالتالي ليستتب له الأمر في أفق مساومة الدولة من موقع قيادي.
وما يؤكد أن هذا الموقف لا يعدو أن يكون سوى حالة نزوة وانتشاء ناتجة عن نرجسية عهدناها في الشخص وهو أن معارضته لتقنين استعمالات هذه العشبة لا يستند فيها على حجج ولا على أسباب موضوعية قابلة للأخذ والعطاء في حوار مسؤول ومثمر. وكان من المفترض إن كانت لديه تبريرات تجد مرجعيتها في الدين باعتباره واحد من قيادات حزب متدين، أن يدفع في هذا الاتجاه لكي يستقيم النقاش على أرضية واضحة. لكن ذلك لم يحصل لا على المستوى الديني بمفهوم الحلال والحرام، ولا على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. والظاهر أن السيد بنكيران يعلم جيدا أنه إذا دخل في نقاش على هذه المستويات فسيجد نفسه محاصرا من كل الجوانب. ولذلك، ارتأى رايه السديد أن يستخدم سلاحه المفضل ألا وهو "التسنطيحة".
دينيا، يمكن أن نسائل السيد بنكيران ذي المرجعية الإسلامية ما هو سنده الديني في موقفه المعارض لتقنين استخدامات القنب الهندي في أغراض طبية وصيدلانية. فهل هذه العشبة محرمة من منظور الإسلام أم أن هذا الرجل أراد أن يدلو بدوله في مجال الإفتاء ليوحي لنا أن زراعة الكيف تندرج بالقياس في لائحة المحرمات. ولو فرضنا أن الأمر، كما يتوهم ، قد يحتمل جانبا من الصواب. فهذا الموقف مردود عليه من قبل حتى من يشاركونه كذلك نفس الانتماء إلى نفس الحزب. وصفعة من
ذوي القربى أبلغ بكثير ولها من الوقع والصدى ما يغني عن الغير في مقارعة الحجة بالحجة من خارج البيت. بل وقد استفسره أهله عن موقفه من "الشعير" الذي يستخرج منه مشروب "البيرة"، ومن العنب يستخلص منه النبيذ، ومن التين والثمر ما يسمى ب"الماحية"، فمن المفترض حسب منطق السيد بنكيران يجب إدراج كل هذه الفواكه والمحاصيل في قائمة المحرمات وليس فقط القنب الهندي وحده. وفي جميع الأحوال يجب تذكير هذا الرجل بقاعدة فقهية مفادها أن "الضرورات تبيح المحظورات". والخمر كما يقول سادتنا الفقهاء أنه حرام دينيا، فقد أجازه نفس الفقهاء إذا كان في ذلك شفاء وعلاجا للمريض.
اقتصاديا واجتماعيا، من دون شك أن تعامل السيد عبدالإله بنكيران مع هذا الملف هو تعامل غير مسؤول ويتنكر فيه لكل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية لساكنة المنطقة التي يزرع فيها القنب الهندي. هذا الرجل لم يستحضر بتاتا كل الجهود والسياسات التي قامت بها الدولة على مر عقود من الزمن من أجل استصلاح تلك الأراضي في منطقة الريف، لكن تعذر ذلك لأسباب أهمها أن هذه الأراضي من حيث التضاريس يصعب عليها أن تحتمل أية زراعة أخرى غير القنب الهندي. كما فات السيد بنكيران أنه ليس لأول مرة قد جرى الانتباه إلى تقنين زراعة الكيف في المغرب، بل سبق وأن صدر ظهير عام 1919 إبان الحماية الفرنسية حاول تنظيم زراعة هذه العشبة من طرف المزارعين على أساس تسليمها إلى السلطات الرسمية على ألا يتم زراعة ذلك إلا بترخيص، وأن أي فلاح يخالف ذلك من حيث ما هو ككمية مسموح له بزراعتها وإنتاجها قد يعرض نفسه للمتابعة.
وكذلك هو الحال اليوم يجب على الدولة أن تأخذ زمام الأمور بيدها. وبالفعل ما يتحقق الآن ستكون له نتائج إيجابية لأن هذا النشاط سيتحرر وسيخرج من دائرة العتمة إلى دائرة العلن والوضوح. وسيصبح المزارع مزارعا معترف به بحكم القانون. وعلى هذا الأساس سيتعامل مع شركات الأدوية لينهي بذلك مسلسله الدرامي مع المهربين المغاربة والأجانب. كما سيعود الهاربون من المتابعات القضائية وعددهم في حدود 40 ألف إلى مزاولة أنشطتهم بما يسمح به القانون.
وأخيرا من الناحية السياسية، إذا كان السيد بنكيران لا يستحضر كل هذه المعطيات في موقف بات يسوقه بشكل يثير الريبة ويخص منطقة يعرفها بنفسه على أنها بؤرة تشنج ووجع راس، فإن الأمر قد يطرح علامات استفهام كبرى في خيارات هذا الرجل التي تنحى نحو عدم إزالة أسباب التوتر والتشنج كما تخطط لذلك الدولة. ونتمنى أن نكون مخطئين في استنتاجنا وهو أن "عشبة" بنكيران أخطر من عشبة الكيف حتى ولو بقيت تستخدم في "السبسي" فقط.
