الرئيسية | أقلام حرة | أهمية مادة التربية على المواطنة، لكن بأي مواصفات؟

أهمية مادة التربية على المواطنة، لكن بأي مواصفات؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أهمية مادة التربية على المواطنة، لكن بأي مواصفات؟
 

مبدئيا فمادة التربية على المواطنة، لا أعتقد أحدا يجادل في أهميتها والحاجة الماسة إليها

بالنسبة لجميع الأسلاك التعليمية، تزداد أهميتها في ظل ما نتابع فصوله على أرض الواقع،

من استهتار بقيم الوطن، وبالأسس التي نُحْسد عليها تشكل عنصر قوتنا على مدى القرون،

للأسف ليس من قبل عامة الناس وحسب، حتى النخب لها نصيب، المفروض فيها ترسيخ

قيم التضحية من أجل الوطن و ترسيخ أسسه الضامنة لاستقراره ووحدته فعلا، وليس قولا

بتدبيج الخطابات السياسية، ورفع الشعارات الغليظة، حتى إذا جد الجد لم نجدها شيئا

مذكورا.

التربية على المواطنة مادة لا مناص منها في منظومتنا التربوية، لكن بأية مواصفات؟ فهل

إقرارها لجميع المستويات، غاية في حد ذاتها أم وسيلة لتربية النشء على قيم المواطنة

والسعي إلى ترسيخها في نفوسهم؟، لكن إلى أي حد نجحنا في هذا المسعى؟

بالرجوع إلى المقررات التي تعتبر الترجمة الفعلية، لكل ما هو مبثوت في الوثائق التربوية

الموجِّهة للعملية التعليمية التربوية برمتها، من الميثاق الوطني للتربية و التكوين و الكتاب

الأبيض وورقة الاختيارات، فإلى أي حد تناسب محاورها سن التلاميذ و كذا مستواهم

المعرفي والتعليمي ؟ وإلى أي حد تستجيب منهجيات تدريسها للغايات المرجوة من ورائها

وتحقق ما هو مسطر فيها من كفايات؟

الأعمال بخواتيمها، فما نراه من ممارسات مشينة و مسيئة للوطن و للمواطنين من قبيل ما

يلحق المرافق العمومية من تدمير وتخريب، وما يلحق المواطنين من تيئيس بسبب سوء

معاملة أو إهانة أو استبلاد، أو بسبب ما يعيشونه مع جملة من سياسيينا للأسف الشديد ممن

بوعودهم العرقوبية يفقدون الناس الأمل و الثقة في أية عملية تغييرية.

وبكل تأكيد فهؤلاء و أولئك معظمهم من المتمدرسين، قد يكونون ممن غادروا حجرات

الدرس في إطار ما تشهده الأسلاك التعليمية من هدر مدرسي بمئات الآلاف سنويا، أو أتموا

دراساتهم و نالوا الشهادات العليا، وأكيد سبق لهم أن درسوا هذه المادة وامتحنوا فيها. فما

الذي يتبقى لهم منها، يكون حصنا يجعلهم أحرص ما يكون على قيم وطنهم؟ فأين الخلل

إذن، هل هو فيهم؟ أم الخلل في محاورها المقررة؟ أم في الأستاذ المكلف بتدريسها؟ أم في

منهجية تنزيل مقتضيات دروسها؟

نظرة بانورامية على مقرر هذه المادة بالأولى إعدادي، نجد محور الحرية، المساواة،

العدل، التضامن، التسامح، الديموقراطية، السلم، القاعدة القانونية، وغيرها. و كل محور

يندرج تحته مجموعة من الدروس. عناوين هامة، عليها مدار ما نعيشه من إشكالات في

جميع القطاعات. إنها جماع ما يطالب به الشعب بكل أطيافه. بالنظر إلى واقعنا المعيش

نتساءل عن الآثار الملموسة لهذه الدروس.

فأين التضامن والتسامح مثلا في طرقاتنا وفي أسواقنا وفي ملاعبنا؟ وبأي نسبة تتحقق

المساواة بين كل شرائح المجتمع في المستشفيات مثلا؟ فالإحصائيات الرسمية المتعلقة

بالرشوة و الزبونية وغيرها من الظواهر المشينة تؤكد غياب هذه القيم بالمرة مما يجعل

الميزانيات الضخمة التي يكلفه تدريسها موضع تساؤل، بما أن قطاع التعليم هو قاطرة بقية

القطاعات.

ألا تدعونا هذه النسب الكارثية لإعادة النظر في المقررات وطرق تدريسها؟ فلم لا، بدل

اعتماد الكم الهائل من الدروس، و بدل التعقيد الذي يسم محتوياتها و منهجيات تقديمها، أن

نبتكر آليات أخرى من شأنها أولا أن تحبب ناشئتنا في المادة، ثانيا أن تحقق الكفايات

المبتعاة، منها خاصة بالنسبة لمثل هذه المستويات؟ فلم لا اعتماد الأسلوب القصصي

لتدريسها، وأسلوب الحوار والتشخيص مع التخفيف ما أمكن من محتوياتها؟ فمادة التربية

على المواطنة بالخصوص ليست كبقية المواد التي يغلب عليها الجانب المعرفي والتقني.

إنها تستهدف ترسيخ سلوك المواطنة بما يحفظ للوطن قيمه وخصوصيته وهويته. نظرة

موجزة بعض صفحات أحد الدروس للوقوف على مدى ما يشوب تدريسها من خلل يحول

دون تفاعل أطفالنا مع مضامينها (درس التضامن). يشغل خمس صفحات بطولها

وعرضها. لنأخذ الصفحة الثانية مثلا. إنها مكتظة بالأنشطة حد القرف بالنسبة لأطفال لا

يزالون مهوسين باللعب، النشاط 1 أتعرف بعض المبادئ التي تبني مفهوم التضامن وأقارن

بينها : نصوص ومرجعيات (1 مقتطف من خطاب الملك الراحل الحسن الثاني أكتوبر

1998، 2 حديث نبوي)، مذيلان بسؤالين الأول تحديد طبيعة كل نص و ذكر مصدره

الثاني استخلاص مبادئ يبنى عليها مفهوم التضامن. النشاط2 "أدعم تعلماتي" أ- عبارة

عن نص يتحدث عن التضامن باعتبارها قيمة إنسانية في بناء المواطنة الحقة، ويرتبط

بالحق في الحياة والكرامة الإنسانية، ويعكس الوعي بالمسؤولية المشتركة بين الأفراد

والجماعات، ب- تدخل الحقوق التضامنية ضمن الجيل الجديد من حقوق الإنسان، وتعكس

مسؤولية الأفراد والجماعات تجاه مشاكل المجتمع الإنساني..." مقتطف من مطبوعات

اليونسكو بمناسبة ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. النشاط الموالي بنفس الصفحة

حول اكتشاف نماذج من العمل التضامني على الصعيد الوطني. الوثيقة1 مأخوذة من

مهمتنا، cnss، موقع على الانترنت، وهو عبارة عن تعريف بالصندوق الوطني للتضامن

الاجتماعي. الوثيقة 2 تتعلق بشارة التضامن الاجتماعي مذيلا بثلاثة أسئلة. و أخيرا المفاهيم

و المصطلحات (المأجورون، الجيل الجديد من حقوق الإنسان، التراث المشترك)، وهل

يعرف أطفال هذا المستوى الجيل القديم، ليدركوا الجديد من الحقوق؟

و على نفس النهج الصفحات الموالية، إذ عليهم أن يعرفوا الدور الإنساني لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، و يعرفون في الصفحة الخامسة حركتي الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر (نشأنهما وأدوارهما التضامنية ومجالات تدخلهما واستقلاليتهما وتمويلهما إلى غير ذلك، مذيلة بمصطلحات مثل القانون الإنساني الدولي، شارة الصليب الأحمر و الهلال الأحمر)

 

فهل بمقررات هذا حالها، يمكن لأطفال هذا المستوى أن يستوعبوا مضامينها، ويعملوا على بلورتها عمليا في سلوكهم اليومي؟

مجموع المشاهدات: 7410 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة