عبد الله أطويل
تبينَ لأهل الاختصاص، والعارفين بشعاب التربية والتكوين ما تبين لهم من نقد ورأي آخر، بُعَيد الإفراج عن الأطر المرجعية المحينة لاجتياز الامتحانات الاشهادية لموسم 2020-2021، بما فيها امتحانات نيل شهادة الباكالوريا. نَعي جيدا، وندرك غاية الإدراك الظرفية الوبائية، والأزمة التي يمر بها الموسم الدراسي. لا نمارس النقد من أجل النقد، بل على العكس من ذلك، ننظر من ركن المتخصصين في الحقل التربوي، ومن الزاوية نفسها قد يحق لنا أن نرمي بسهام النقد والتحليل، في إطاره البناء، لا الهدَّام.
بعد إطلاعٍ، وتحليلٍ، للأطر المرجعية المحينة. ونأخد كمثال مادة علوم الحياة والأرض، بالثانوي التأهيلي. أخدا بعين الاعتبار ديداكتيك المادة، وما يقتضيه من نهوج علمية صرفة، في بناء الدرس، وتثبيث المفاهيم، وعلى إعتبار أن الغلاف الزمني طيلة الموسم، اعتمد على نصف عدد الساعات الاعتيادية، بمقتضى المذكرة 39-20، المنظمة للموسم الدراسي الحالي. من دون التذكير بعدد أيام الإضرابات والمشاكل التي خلفتها الملفات المطلبية العالقة، مرورا بالبداية المتأخرة للموسم الدراسي، 5 أكتوبر، بجل مديريات الدار البيضاء كمثال، والتوقف الاضطراري للدراسة بفعل حجر بعض المؤسسات، في أكثر من مرة بعد ظهور بؤر كوفيدية، ودائما مديريات الدار البيضاء نموذجا.
فحسابيا، بالكاد يكون الغلاف الزمني لهذا الموسم يقارب 50% في أحسن الأحوال. بالإضافة الى فشل نمط التعليم الذاتي، وبشهادة أهل الدار، ودائما مادة علوم الحياة والأرض نمودجا، بحكم تخصصنا في ديداكتيكها. بين هذا وذاك، نصَّ الإطار المرجعي لهذه المادة على إعتبار 75%، في بعض المسالك، و62% في مسالك أخرى. هذا بنصف الغلاف الزمني المخصص لبناء القدرات التعلمية والكفايات النوعية للمادة، أي ب50% من الغلاف الزمني النظري وربما أقل من ذلك فعليا. ثم تُصدر الوزارة الوصية، إطار مرجعي آني للتقويم الاشهادي، يغطي ثلاثة أرباع دروس الغلاف الزمني الاعتيادي الكامل، وفي مادة علمية إلى جانب مواد أخرى، لم ولن، يكن التعليم الذاتي فيها إلا واو عمرو، أما الحديث عن الجودة، ففي ذلك فليتأمل المتأملون.
في الموسم الماضي، عشنا الأزمة الوبائية نفسها، التي لازالت ترخي بضلالها مخيمة على هذا الموسم. في ذاك الموسم، تم اللجوء للتعليم عن بعد لإنقاذ الموسم، ثم في آخر المطاف، كانت الأطر المرجعية المنظمة للامتحانات متجانسة مع البرامج التي تم انجازها قبل توقف الدراسة، بمعنى آخر انداك لم يتم الاعتماد على ما تم إنجازه خلال فترة التعليم عن بعد، ربما لعدم اقتناع أهل القرار به. لو سألت كل من له عقل يزن به موازن الأمور، مستفسرا إياه عن الأصلح بصيغة المفاضلة، بين نمطي التعليم عن بعد والتعلم الذاتي، لاختار التعليم عن بعد. فعلى الأقل، هو نمط يعتمد تذخل المدرس في العملية التعليمية التعلمية، والسادة أهل علوم التربية يدركون أهمية المدرس في المثلث والنقل الديداكتيكين، triangle et transposition didactique، تمام إدراكهم للفرق بين التعليم والتعلم. إذا كان نمط التعليم عن بعد بالأمس من دون جدوى، من أين للتعليم الذاتي اليوم بهده الجدوى؟.
كان من الأجدر، الاشتغال وفق مبدأ المقاربة التشاركية، وإشراك الفاعلين الرئيسين في القطاع. فرغم الإعتماد على الاستمارات الاستبيانية التي تمت تعبئتها من طرف السادة الأساتذة، والتقارير المرفوعة من السادة المفتشين التربويين، في شأن تتبع مدى تقدم البرامج الدراسية، ونجاعة نمط التعليم عن بعد من فشله. مع ذلك، أكدت الأطر المرجعية بشكلية هذه الاستمارات والتقارير، حين تجاوزت 50% من تقويم الدروس.
بين هذا وذاك، يظل التعليم الخصوصي بمتابة الفتى المدلل، إذا ما قمنا بِعَدِّ المزايا التي امتاز بها عن نظيره العمومي. إذا كانت المذكرة الإطار المنظمة للموسم الدراسي الحالي 39-20، تحدتث عن إجبارية عدم تجاوز 20 متمدرس في الفصل(قانون التباعد وقانون التكامم)، وهو الشيء والأساس نفسه الذي قلص الغلاف الزمني إلى النصف، باعتماد مبدأ التفويج. أما القطاع الخاص بحكم كونه من أصله وفصه لا تتجاوز فصوله 20 متمدرس في الظروف العادية، فالأمر كان بردًا وسلاما في هذه النقطة. فتنظيميا يكون هذا القطاع في منأى عن اللجوء لتقليص الغلاف الزمني، وفي أحايين كثيرة لا حديث عن التعلم الذاتي ومشتقاته لدى دوي هذا القطاع، والغارمين عليه، والمؤلفة قلوبهم لذيه. بتركيزنا فقط على نقطة الغلاف الزمني الكامل، من دون الحاجة للتذكير بنقط أخرى كالاضرابات المتككرة، التي ميزت السنة الدراسية في التعليم العمومي، في حين تضل في القطاع الخاص أمور ممنوعة من الصرف. بهذا قد يحق لنا الحديث عن بعض الفوارق التي قد تبدو واضحة، وربما ازدادت وضوحاً، يضاهي وضوح الشمس الصيفية حين تأملنا في الأطر المرجعية المنظمة للامتحانات الاشهادية لهذا الموسم. حينما تكون مصطلحات من قبيل الفوارق، وتكريس الطبقية، والتفييئ، مترددة على ألسنة الخاصة والعامة، فإن لغة الحديث والشجن، لا محالة، ستعزف على أوثار ضرب مبدأ تكافؤ الفرص ضربا بالمفعول المطلق، وقدفه عرض الحائط بالمفعول فيه، رغم أنه ظل من أهم مبادئ الميثاق الوطني، وأس من أسس الرؤية الإستراتيجية 2015-2030، وتغنى به الدافعون بعربة القانون الإطار. المدرسة المغربية عانت العوانت من التفييئ الطبقي، حتى تقسم مَتنُها، فلسنا في حاجة لمزيد من الطبقية في تعليم أبناء الشعب المغربي، ونحن نتطلع أيما تطلع لغروب شمس التعليم الطبقي، ومن تمة شروق شمس مدرسة مغربية واحدة موحدة، توحد أبناء الشعب وبناته، بكافة أطيافهم ومشاربهم.
