الرئيسية | أقلام حرة | "تكلمي باسمي وباسم الجزائر"

"تكلمي باسمي وباسم الجزائر"

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"تكلمي باسمي وباسم الجزائر"
 

هكذا نطق على الأقل وزير خارجية النظام الجزائري وسمح لنفسه أن يتنازل عن حق الجزائر في إسماع صوتها مفوضا الأمر، وهو ليس بأمره، إلى وزيرة خارجية إسبانيا بأن تتكلم باسم الجزائر في سابقة ليس لها مثيل على الإطلاق في الأعراف الدبلوماسية ولم يقم بها أي وزير خارجية في العالم بتاتا مع وجود استثناء واحد وهو في حالة وجود دولة تحت الحماية حيث تتحدث الدولة الحامية في المحافل الدولية باسم الدولة المحمية. فهل الجزائر بعد هذه المهزلة تريد أن تقول لنا أنها دولة خاضعة للحماية الإسبانية؟

بل هناك أسئلة كثيرة وقراءات متعددة حول ما تفوه به المدعو بوقادوم لأنه لا يحق أن يوصف بوزير الخارجية بعد أن تنازل بعظمة لسانه عن هذا اللقب. من جملة تلك الأسئلة التي لا تستدعي الإجابة عنها بقدر ما أن طرحها يؤكد في حد ذاته على وجود ظاهرة مشينة لا يقبل بها منطق، فعلى سبيل المثال من الذي أعطاه الحق في هذا التصرف الذي هو مرتبط بوجه من أوجه سيادة دولة. ثم أين هو الشعب الجزائري وأين هي إرادته حتى يقرر بوقادوم في مصيره وتتحدث باسمه تلك السيدة. فهذا النظام قبل أن يكون وباء على جميع دول الجوار وليس المغرب وحده، فهو كذلك جاثم على أنفاس الشعب الجزائري الشقيق ومذل لكرامته أشد الإذلال.

أما بخصوص القراءات التي يثيرها هذا الكلام الأرعن اللامسؤول فهي تحتمل عدة قراءات وهي بالفعل كاشفة عن كل النوايا التي يحتفظ بها هذا النظام في سياسة عدائه الممنهج الذي يضمره للمغرب، مغرب بات عقدة ذلك النظام منذ إنشاء دولة الجزائر من ستينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا أي ما يزيد عن نصف قرن من الزمن الضائع والمهدور بعد أن حرم فيه الشعب الجزائري من كل الحقوق ومقومات الكرامة. وسنعرض لبعض تلك القراءات على سبيل المثال لا الحصر.

القراءة الأولى وهي أن النظام الجزائري أثبت بالفعل أنه مفلس وأنه لم يعد قادرا على أن يروج نفسه في المنظومة الدولية ولا أن يسوق طروحات بعد أن وقف الجميع على حقيقتها. ولذلك تراه اليوم ينقاد غصبا عنه للاستغاثة بوزيرة خارجية إسبانيا متوسلا إليها بأن تنوب عنه في الحديث لتمرير رسالة من خلالها لعلها قد تصل إلى الاتحاد الأوروبي.

القراءة الثانية وهو أن المدعو بوقادوم عودنا على أن يظهر دائما بمظهر ذلك العاجز في تمرير الرسائل المدسوسة، كما أن شخصيته توحي بأنه لا يتقن فن الحديث وليس له القدرة على ضبط

الأفكار ولا الاسترسال في الحديث. زلات لسانه عديدة وهي زلات تكشف عن حقيقة النوايا. أحيانا يريد أن يجهر بقول ما فيتقيأ نقيضه. وخشية من تتآته وتلعثماته المعهودة فيه ولأن الموقف لا يحتمل زلة أخرى فضل أن يتنازل عن الحديث باسم بلده فوقع في أم الزلات فعلا لا قولا.

القراءة الثالثة تطرح علامة استفهام كبرى حول مدى وجود الجزائر كدولة يفترض أن تكون لها سيادة ويعبر عنها أبناؤها بالتمسك بها والدفاع عنها، وليس بالتنازل عنها كما يفعل اليوم بوقادوم. أين هي الجزائر التي يقال عنها بلد المليون شهيد. ألهذه الدرجة وصلت الخساسة بالجزائر حتى يتنكر اللقطاء لتضحيات الشهداء ودمائهم الزكية، بل أين هو الشعب الجزائري اليوم كي يسمح لدولة الثكنات بتمريغ كرامته في الأرض. بل أين هو "النيف" رمز الكبرياء والشموخ عند الأشقاء الجزائريين.

القراءة الرابعة تؤكد أن بوقادوم حينما دعا وزيرة الخارجية الإسبانية إلى التكلم باسم الجزائر فقد كشف بذلك عن وجود عملية بيع وشراء من تحت الطاولة استفادت منها المسؤولة عن السياسة الخارجية الاسبانية بالتنسيق مع زميلها في وزارة الداخلية. فبوقادوم ليس من عادته أن يتجرأ بهذه الوقاحة لو لم يكن هناك مقابل ولو لم تكن هناك صفقة أبرمها النظام الجزائري في عتمة الليل مع بعض المسؤولين الإسبان نكاية في المغرب.

القراءة الخامسة تتعلق بمحاولة النظام الجزائري كعادته استغلال كل خلاف أو طارئ في العلاقات المغربية الإسبانية من دون التردد في إذكاء نعرة ذلك الخلاف والاصطفاف في جميع الأحوال إلى جانب إسبانيا ظلما وعدوانا ونكاية في المغرب. حدث ذلك في شهر يوليوز من عام 2002 على خلفية ما عرف آنذاك بأزمة جزيرة ليلى كان فيها النظام الجزائري الوحيد عربيا مؤازرا لإسبانيا. وما أشبه الأمس باليوم من حيث المواقف العدائية لهذا النظام.

 

إجمالا كشفت هذه الأزمة بين المغرب وإسبانيا عن مفارقة كبيرة بين المغرب والجزائر الأول ضارب في القدم وفي التاريخ، تأصلت وكبرت فيه المبادئء لتكون له نبراسا في علاقاته مع الخارج قائمة على التفاهم وحسن الجوار، والثاني كتب له الاستعمار شهادة ميلاده ليكون لقيطا ومدينا لأولياء نعمته مناصرا لسياستهم على حساب ما يتغنى به من عروبة وتضامن عربي. وليعلم هذا النظام أن المغرب له شخصيته الدولية الوازنة التي تمكنه من خلق توازنات قائمة على الندية وتحقيق المصالح المشتركة. مهما كانت طبيعة الخلاف مع الجارة إسبانيا فلا بد من الجغرافيا والسيرورة التاريخية أن تقول كلمتها في نهاية المطاف، وستعود العلاقات المغربية الإسبانية إلى سابق عهدها وأفضل من ذلك على أساس شراكة أقوى ومعززة بالاحترام والتقدير. وستعود الأنظمة المارقة أدبارها خاسئة تجر خيبات اليأس والهزيمة.

مجموع المشاهدات: 6841 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة