بوسلهام عميمر
في الأيام الأولى من انطلاق الألعاب الأولمبية بطوكيو، بدأ الرياضيون المغاربة يتساقطون
بالجملة في مختلف الرياضات؛ الفردية والجماعية كأوراق الخريف. بل ومنهم كالدراج
المغربي عجز حتى عن إكمال السباق فانسحب قبل نهايته. و لا رياضي واحد من أصل
العشرات لحد الآن في الأصناف الرياضية 18، استطاع أن يتجاوز الأدوار الأولى في
البطولة العالمية.
لكن المثير للاستغراب حقيقة، فبدل فتح تحقيق جدي لتحديد المسؤوليات في هذه النكسة
الرياضية غير المسبوقة، خيبت آمال المغاربة الذين تعودوا أن يشرفهم المشاركون برفع
العلم المغربي في سماء المنافسات الأولمبية. يعبرون عن تذمرهم عبر مواقع التواصل
الاجتماعي، بلغ الاستياء ببعضهم ليطالب باستقالة المسؤولين عن الرياضة المغربية جملة و
تفصيلا، ومحاسبتهم عن الميزانيات التي ترصد للقطاع الرياضي. فعلى الأقل إن لم تتقدم
رياضتنا، تحافظ على رصيد ها الذي اكتسبته مع من سبق من أبطال، جعلوا راية الوطن
خفاقة ضمن قائمة الدول الرائدة رياضيا.
فبدل البحث المعمق في خفايا هذه النكسة، و تسلح المسئولين عنها بالشجاعة اللازمة،
للاعتراف بالتقصير وتحمل مسؤوليتها، يتم الهروب إلى الأمام، فبدأنا نسمع أو نقرأ
تصريحات لبعضهم بربط الهزيمة بظروف كوفيد 19، وكأن هذا الوباء خصنا لوحدنا دون
بقية الدول المشاركة، علما فبلدنا مقارنة بدول أخرى تصدى له في وقت مبكر بالحجر
الصحي، ثم بتوفير اللقاح مجانا لكل مواطنيه. فلِمَ لمْ يؤثر الوباء على دول عربية عانت منه
الأمرين ولا تزال، حتى لا نقول الدول غربية، مثل تونس ومصر وسوريا والأردن
والكويت؟
فيم ذهب آخرون، بدون أن يرف لهم جفن، بأن الحظ عاكس أبطالنا، و من تم علقوا الفشل
الذريع على مشجب القرعة اللعينة. فهل يعقل في القرن 21 ، لا نزال نفسر الخيبات بهكذا
تفسيرات طوباوية لا أساس لها، مثلها مثل من لا يزال يربط المواسم الفلاحية بما تجود به
السماء بدون تخطيط مسبق.
"عذر أعظم من ذنب". فهل يخفى على أحد أن الرياضة اليوم صناعة، لا مجال فيها
للصدفة، و لا للاعتماد على الموهبة لوحدها. أعتقد أن المسئولين على رياضتنا أعلم من
غيرهم بما يلزم لصناعة الأبطال في مختلف أصناف الرياضات، ابتداء من المرحلة
الطفولية مع الرياضة المدرسية التي كانت المشتل الأول لاحتضان المواهب. لا يعقل بلد
مثل بلدنا 3500 كلم بحرا، لا نفلح حتى في إحراز نحاسية في السباحة الحرة التي توقفت
فيها مسيرة المغربية قبل مرحلة نصف النهاية، أو في رياضة التجديف التي احتلت فيها
المشاركة المغربية المركز الخامس والأخير، أو رياضة ركوب الأمواج إذ أقصي المغربي
في الدور الثالث، أو الكرة الشاطئية. فما الذي ينقصنا لننافس غيرنا على الذهب؟
لا يعقل بلد قاعدة هرمه السكاني من الشباب، جغرافيته مؤهلة لصنع أبطال في مختلف
الرياضات، و له تاريخ في الوصول إلى النهائيات وحصد الميداليات عن جدارة واستحقاق.
المشاركون دائخون لا يدرون ماذا يفعلون. بل ومنهم من ارتكب حماقات جعلته موضع
سخرية، تناقلت صورته وسائل الإعلام العالمية وهو يعض خصمه، صنفت عضدته "أنها
حركة غير محتملة أثناء النزال"
أية عقلية هاته لا تزال تنتظر تحقيق المعجزات، بدون تدريب حقيقي، على يد مدربين أكفاء
يجمعون بين العلم و الخبرة في تخصصهم الرياضي؟
ترى هل هؤلاء المشاركين هم فعلا أجود ما لدينا؟ ألا يوجد من هم أكفأ منهم، تحول
ظروفهم الاجتماعية دون بروزهم ووصولهم إلى مثل هذه المناسبات العالمية؟
و هل الطواقم التقتية والتدريبية التي تتحمل مسئولية تهيء الأبطال لمثل هذه التظاهرات
العالمية هي أحسن ما لدينا؟
ألا تدعونا هذه النتائج المخيبة للآمال لمساءلة الحكومة عن سياستها الرياضية، في شخص
وزيرها في الرياضة و الشباب، ليوضح للمغاربة أسبابها ومسبباتها؟ أليست وصمة عار
على جبينها، تبصم بها على انتهاء ولايتها، أم الرياضة آخر ما يفكر فيه، مقارنة بقطاعات
أخرى. علما فالدول الأخرى تشكل الرياضة اليوم أولى أولوياتها، لا بد فيها من الرؤية
الواضحة والتخطيط الاستراتيجي المحكم.
