لحسن الجيت
لقد فعل نيرون فعلته الشيعة في الشعب الجزائري. أتى على الأخضر واليابس، أهلك النسل وأحرق النبتة والبهيمة والشجر والحجر. تلال وجبال أرادها نيرون هذا الزمان جهنم ذات نار مستعرة حامية لا تبقي ولا تذر. أشعل النار في شرقها وغربها وفي وسطها كي يستقيم له العيش بنية شيطانية أراد بها أن يتحايل على إكراهات وضغوطات الحراك الشعبي، وأن يفلت من وطأته بفرض تضامن وهمي على الشعب الجزائري من خلال كارثة مفتعلة لعلها تحمل معها خلاصا من ورطة لم يجد لها من مخرج سوى أن يفحم البلاد والعباد. فلابد من كارثة لإلهاء الشعب حتى ينام نيرون مطمئن البال.
على عكس ما يحاول أن يروج له نظام نيرون عبثا من وجود أياد خفية كانت من وراء تلك الكارثة من دون استبعاد بأن هناك مؤامرة على الجزائر، هناك ما يثبت على أن ما يدعيه ذلك النظام لا يستقيم على حجة وأن بعض الوقائع تحمل على الاعتقاد بأن الفاعل هو من حفدة نيرون روما الذي اعترف إبانها بفعلته، بينما ذريته في الجزائر تتنكر لإبادة شعب بأكمله. المعلومات والصور المتداولة في قلب الجزائر عبر وسائط التواصل الاجتماعي تظهر طائرات مروحية تصب شهبا نارية في الغابات والأحراج وعرة المساك، كما تم ضبط بعض من حراس الغابات من طرف أهالي المناطق وهم يشعلون النيران على الحدود الغابوية.
ما حصل في الجزائر لا يقف عند حدود الإعلان عن ثلاثة أيام من الحداد الوطني فتلك كذبة، بل يستوجب تشكيل لجنة محايدة للتحقيق في كل الزوايا ذات الصلة بهذه الجريمة النكراء المرتكبة في حق الشعب الجزائري الشقيق. كما أن هذه الكارثة تثير عدة شكوك حول مجرى النيران التي حولت كل الجزائر إلى أرض محروقة بانتشار واسع مذهل وسريع قد يفوق قدرات الأشخاص كما يريد أن يوهم بذلك نظام نيرون. والمثير للاستغراب أن تلك النيران التي التهمت العديد من الولايات الجزائرية في لحظة واحدة ضبطت عليها ساعة نيرون لكي لا يفلت أحد من تك الإبادة. وليس من الصدفة أن يكون سعير نيران جهنم قد اشتد بالخصوص في إقليم القبايل وفي هذا التوقيت بالضبط الذي يتزعم أهله الأمازيغ قافلة الحراك الشعبي التي يحسب لها النظام الجزائري كل الحسابات والخيارات الممكنة لردعها. إن كان هناك من تحقيق جاد، وهو أمر مستبعد، فيجب عليه أن يجيب على سؤال جوهري أين كانت مؤسسات الدولة حتى تندلع هذه النيران في كذا موقع من الجزائر بهذه الغرابة. ثم يجب مساءلة النظام في جميع الأحوال سواء عن عجزه أو تقصيره أو مسؤوليته في ارتكاب ذلك الفعل.
المثير للانتباه كذلك وهو الغياب التام لتلك المؤسسات عن القيام بواجباتها من قبيل عدم توفير لوجيستيك لمواجهة الطوارئء. وقد بدت الجزائر أنها في أيادي غير آمنة وظهر أن الشعب الجزائري
ليس لديه نظام يحميه بحيث قد وجد نفسه أمام هذه الكارثة وجها لوجه يقاوم بجسده لإخماد النار التي أتت على ما أسماه النظام "بشهداء الوطن". أين ذهبت مداخيل البترول والغاز ؟ لقد كشفت الكارثة أن الدولة لا تتوفر على طائرات للإطفاء ولا على معدات وآلات لإخماد النيران. فكيف يعقل أن يصرف هذا النظام الملايير لتسليح مرتزقة البوليسايو ولا ينفق من مال الشعب على الشعب ما يحميه من تلك الكوارث. فالتحقيق يجب أن يساءل الدولة عن هذا الخصاص وعن هذا التقصير.
والمغرب الذي لا هو دولة بترول ولا دولة غاز سارع كدأبه إلى تقديم عرض مساعدة في هذا المجال للوقوف إلى جانب الأشقاء الجزائريين في هذه المحنة، واضعا رهن إشارة الجزائر طائرتين من الجيل الجديد للمساهمة في احتواء تداعيات هذه الكارثة. نيرون الجزائر عوض أن يستجيب لهذه المبادرة الإنسانية ولهذا الواجب تجاه الأشقاء، أدار ظهره لتلك المبادرة لأنها مغربية وقام بتضييع الوقت في استجداء الغرب ليقدم له المساعدة لكن طائرات الغرب كانت منشغلة بكوارث مماثلة في اليونان. وطبيعي أن تكون اليونان أولى من الجزائر. بينما النيرون الجديد ظل على هذا الاستجداء ولو فيه تأخير ولم تكن تهمه مخاطر ذلك التأخير في مثل هذه الكوارث بقدر ما كان يهمه ألا تعطى الفرصة ليظهر المغرب قدراته على حساب الجزائر حتى ولو كلف ذلك الشعب الجزائري مزيدا من الضحايا.
فالنظام الجزائري حينما سولت له نفسه بأن يستجدي الدول الاستعمارية سابقا لم يستحضر تلك الجرائم التي اركبتها تلك الدول في حق الشعب الجزائري إبان الحقبة الاستعمارية ولا سياسات النهب التي طالت خيرات الجزائر منها الحديد الذي بني به برج "إيفيل" ولا إلى تلك التجارب النووية التي جرت على التراب الجزائري. كل ذلك لا يستحضره النظام الجزائري وكأنه ليس معنيا بذلك. ما يهمه هو أن يجتهد في افتعال الأسباب لكي لا يستجيب لليد المغربية الممدودة ولكي يرسخ عبثا في ذهن المواطن الجزائري البسيط بأن كل الشرور تاتي من المغرب. ولا أدل على ذلك أنه عوض التجاوب بشكل إيجابي مع المبادرة الإنسانية المغربية، راح نيرون الجزائر كيف يجد سبيلاللتهجم على وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة واصفا إياه "بالماكر" و"المحرض الحقيقي". وحينما يبحث العاقل في بلاغ الخارجية الجزائرية عن شكل هذا التحريض وأسبابه الذي ينال من أمن واستقرار الجزائر فلا تجد لها أثرا سوى كلام يطلق على عواهنه لا معنى له ولا وجود له على أرض الواقع. وأن كان البلاغ الجزائري يصف ذلك "بالمحاولة الانتحارية إلى الأمام" فبكل تأكيد أن هذا الوصف ينطبق على وزير خارجية الجزائر وليس على نظيره المغربي. فالمشهد الطاغي على العلاقة مع الجزائر هو اليد المغربية الممدودة ، وهي اليد التي تزيد في واقع الأمر من إحراج نيرون الجزائر. فسياسة المراوغة لم تعد تنفع بعد أن أصبح كل شيء تحت المجهر.
